وَهَذَا لِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْحَجْرِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُتَطَبِّبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ جَازَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ، إذْ هُوَ دَفْعُ ضَرَرِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْعُقُوبَةِ، وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَادِرٌ عَلَيْهِ نَظَرَ لَهُ الشَّرْعُ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ آلَةِ الْقُدْرَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى خِلَافِهِ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ، وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ لِأَنَّ غَالِبَ السَّفَهِ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ.
قَالَ (وَإِذَا حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْهُ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى الْقَاضِي الْحَاجِرِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَقَضَى بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ لِاتِّصَالِ الْإِمْضَاءِ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ
(ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ
فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ مُخَاطَبٌ وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِكَامِلٍ فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا لِسُقُوطِ الْخِطَابَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ الْمَالِيَّةِ وَبَعْضِ الْخِطَابَاتِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالشَّهَادَاتِ وَشَطْرِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ ضُمَّ إلَى ذَلِكَ حُرٌّ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ الْحَجْرِ (لِأَنَّ) فِي الْحَجْرِ سَلْبَ وِلَايَتِهِ (فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْهُ الْمَالُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ مِنْهُ لِيَكُونَ هُوَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ عَلَى التَّبْذِيرِ، وَالْحَجْرِ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْعُقُوبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ: أَيْ لَا يُقَاسُ السَّفِيهُ عَلَى الصَّبِيِّ (لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَادِرٌ عَلَيْهِ نَظَرَ لَهُ الشَّارِعُ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ آلَةِ الْقُدْرَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَاقِلٌ (وَالْجَرْيُ عَلَى خِلَافِهِ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ) فَكَانَ قِيَاسٌ قَادِرٌ عَلَى عَاجِزٍ وَهُوَ فَاسِدٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ ثُمَّ هُوَ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ: يَعْنِي أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ بِدُونِ الْحَجْرِ مُفِيدٌ (لِأَنَّ غَالِبَ السَّفَهِ) إنَّمَا يَكُونُ (فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ) أَيْ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفِدْ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا حُجِرَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ حَجَرَ عَلَى السَّفِيهِ عَلَى رَأْيِهِ ثُمَّ رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ قَضَاءَهُ لَاقَى مُجْتَهَدًا فِيهِ وَنَقْضُهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ الْقَاضِي فَتْوَى لَا قَضَاءٌ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَقْتَضِي الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ وَلَا مَقْضِيَّ لَهُ هَاهُنَا. سَلَّمْنَا وُجُودَ الْمَقْضِيِّ لَهُ عَلَى احْتِمَالٍ بَعِيدٍ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ السَّفِيهُ مَقْضِيًّا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَجْرَ نَظَرَ لَهُ، لَكِنَّ نَفْسَ هَذَا الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ﵁ لَمْ يَقُلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute