يُبْطِلُهُ الْحَجْرُ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَتْ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ.
قَالَ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالَ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ بِوُجُوهِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا نُعِيدُهَا.
إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ: يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ يَبْقَى فِيهِ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَقُومُ بِمُعَالَجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ تَحَرُّزًا عَنْ هَلَاكِهِ، وَالْمُحْتَرِفُ فِيهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيَنْبَعِثَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ وَفِيهِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ وَطْؤُهَا لَا يُمْنَعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَضَاءُ إحْدَى الشَّهْوَتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِقَضَاءِ الْأُخْرَى. قَالَ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ يُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِيَ. قَالَ (وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ (وَقَالَا: إذَا فَلَّسَهُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ تَحَرُّزًا عَنْ هَلَاكِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِمَكَانِ الدَّيْنِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ الْهَلَاكُ إلَيْهِ بِالْمَخْمَصَةِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِأَجْلِ مَالِ الْغَيْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀: أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَوْ كَانَ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، وَأَنَّهُ فِي الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَمْنَعُ عَنْ الِاكْتِسَابِ فِي السِّجْنِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، لِجَانِبِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَلِرَبِّ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إذَا فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يَدُورُوا مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ (يُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ لِقَوْلِهِ ﷺ «لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ، وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي) وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الزَّمَانِ فَيَتَنَاوَلُ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْحَبْسِ وَقَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ (يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) أَيْ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، هَذَا إذَا أَخَذُوا فَضْلَ كَسْبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ أَخَذَهُ الْقَاضِي وَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ. وَأَمَّا الْمَدْيُونُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لَوْ آثَرَ أَحَدَ الْغُرَمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute