وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا، وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي. وَفِي الْمَنْقُولِ: النَّقْلُ فِعْلٌ فِيهِ وَهُوَ الْغَصْبُ. وَمَسْأَلَةُ الْجُحُودِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالضَّمَانُ هُنَاكَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ وَبِالْجُحُودِ تَارِكٌ لِذَلِكَ. قَالَ (وَمَا نَقَصَهُ مِنْهُ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا)؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِهِ كَمَا إذَا نَقَلَ تُرَابَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْعَيْنِ وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ، فَلَوْ غَصَبَ دَارًا وَبَاعَهَا وَسَلَّمَهَا وَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ غَصْبَ الْبَائِعِ وَلَا بَيِّنَةَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْغَصْبِ
جَانِبِ الشَّافِعِيِّ لِلْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْغَصْبِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْبَاطِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ) أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ (وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ) أَيْ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْعَقَارِ بِمَعْنَى الضَّيْعَةِ أَوْ الدَّارِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِخْرَاجُ (فِعْلٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ) فَانْتَفَى إزَالَةُ الْيَدِ وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ (فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي) حَتَّى تَلِفَتْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ غَصْبًا لَهَا (وَفِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ فِعْلٌ فِيهِ وَهُوَ الْغَصْبُ، وَمَسْأَلَةُ الْجُحُودِ مَمْنُوعَةٌ) ذَكَرَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَوْ كَانَتْ عَقَارًا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ جَحَدَ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ جُحُودُ الْوَدِيعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي الْعَقَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَلَوْ سَلِمَ فَالضَّمَانُ هُنَاكَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْجُحُودِ تَارِكٌ لِذَلِكَ) قَالَ (وَمَا نَقَصَهُ مِنْهُ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ) وَمَا نَقَصَهُ الْغَاصِبُ مِنْ الْعَقَارِ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ، وَالْعَقَارُ يَضْمَنُ بِهِ كَمَا إذَا نَقَلَ تُرَابَهُ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْعَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ (وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ) بِأَنْ كَانَ عَمَلُهُ الْحِدَادَةَ أَوْ الْقِصَارَةَ فَوَهَى جِدَارُ الدَّارِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَانْهَدَمَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَمَا غَصَبَهَا وَسَكَنَ فِيهَا لَا بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَلَوْ غَصَبَ دَارًا وَبَاعَهَا وَسَلَّمَهَا وَأَقَرَّ بِالْغَصْبِ وَلَا بَيِّنَةَ لِصَاحِبِ الدَّارِ) عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ (فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْغَصْبِ) لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ لِلْمَالِكِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute