فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَبَقَاءِ بَعْضِهَا وَهُوَ اللَّحْمُ فَصَارَ كَالْخَرْقِ الْفَاحِشِ فِي الثَّوْبِ،
بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا وَكَذَلِكَ الْجَزُورُ وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ غَاصِبَهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لِجِزَارَتِهِ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهِ لَا نُقْصَانًا حَيْثُ أُعِدَّ لِلْجَزْرِ غَيْرَ مَطْلُوبٍ مِنْهُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْسَ إزَالَةِ الْحَيَاةِ عَنْ الْحَيَوَانِ نُقْصَانٌ فَكَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مَقْصُودٌ سِوَاهُمَا مِنْ زِيَادَةِ الِاسْمَانِ وَالتَّأْخِيرُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا: أَيْ يَدَ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵄ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ شَيْئًا: يَعْنِي فِي ذَبْحِ الشَّاةِ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ فِي الشَّاةِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَبَقَاءُ بَعْضِهَا وَهُوَ اللَّحْمُ فَصَارَ كَالْخَرْقِ الْفَاحِشِ فِي الثَّوْبِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَلَكِنَّهُ لَا يَعُمُّ الْجَزُورَ بِظَاهِرِهِ، وَلَكِنَّهُ يَعُمُّهُ مِنْ قَوْلِهِ فَوَّتَ بَعْضَ الْأَغْرَاضِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْبَيَانَ مُنْحَصِرًا فِيهَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قِيلَ: لَيْسَ لِتَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ حُكْمَ مَأْكُولِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ: هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ فِيهِمَا: يَعْنِي فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ إذَا قَطَعَ طَرَفَهُ فَكَانَ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ رَدَّ ذَلِكَ الظَّاهِرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَفَى أَنْ يَقُولَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ. وَالثَّانِي أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ قَطْعِ طَرَفِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute