أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ فِي الْأَصْلِ قَطْعَ الثَّوْبِ نُقْصَانًا فَاحِشًا وَالْفَائِتُ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ. .
قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى قِيلَ لَهُ
لَا يَبْقَى لِلْبَاقِي مَنْفَعَةُ الثِّيَابِ بِأَنْ لَا يَصْلُحَ لِثَوْبٍ مَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ) قِيلَ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الثَّوْبَ إذَا قُطِعَ يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ (وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي أَنْ لَا يَبْقَى جَمِيعُ مَنَافِعِهِ بَلْ يَفُوتُ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ (وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْجَوْدَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا دُونَ غَيْرِهِ (لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ جَعَلَ فِي الْأَصْلِ قَطْعَ الثَّوْبِ نُقْصَانًا فَاحِشًا) فَقَالَ: وَإِذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَلَمْ يَخِطْهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَضَمَّنَهُ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ. وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَائِتَ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا قُطِعَ قَمِيصًا يَصْلُحُ لِلْقَمِيصِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِلْقَبَاءِ وَأَمْثَالِهِ، وَالسَّاقِطُ مِنْ الْقِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ، وَمَعَ هَذَا اعْتَبَرَهُ مُحَمَّدٌ ﵀ فَاحِشًا. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُهُ، وَإِنْ خَرَقَهُ خَرْقًا كَبِيرًا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَيَتْرُكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَطْعِ كَانَ صَالِحًا لِاِتِّخَاذِ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ وَبَعْدَهُ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ فَكَانَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ، وَكَذَا بَعْضُ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ فَيَمِيلُ إلَى جِهَةِ الِاسْتِهْلَاكِ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، أَوْ إلَى جَانِبِ الْبَقَاءِ وَأَخْذِ الْعَيْنِ وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَ الْقَطْعِ، وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ الثَّوْبِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ فِي الَّذِي يُلْبَسُ كَالْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ وَفِيمَا لَمْ يُلْبَسْ كَالْكِرْبَاسِ.
قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ، لَكِنْ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَحْكِي عَنْ الْكَرْخِيِّ ﵀ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا. قَالُوا: هَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ حَيْثُ قَالَ فِي لُؤْلُؤَةٍ سَقَطَتْ مِنْ يَدِ إنْسَانٍ فَابْتَلَعَتْهَا دَجَاجَةُ إنْسَانٍ، يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الدَّجَاجَةِ وَاللُّؤْلُؤَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّجَاجَةِ أَقَلَّ يُخَيَّرُ صَاحِبُ اللُّؤْلُؤَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدَّجَاجَةَ وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لِمَالِكِهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اللُّؤْلُؤَةَ وَضَمِنَ صَاحِبُ الدَّجَاجَةِ قِيمَةَ اللُّؤْلُؤَةِ وَكَذَا إذَا دَخَلَ قَرْنُ الشَّاةِ فِي قِدْرِ الْبَاقِلَّائِيِّ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ، يُنْظَرُ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِدَفْعِ قِيمَةِ الْآخَرِ إلَى صَاحِبِهِ وَيَتَمَلَّكُ مَالَ صَاحِبِهِ وَيَتَخَيَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute