وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُهَا، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ بَيْنَ مَا إذَا عَطَّلَهَا أَوْ سَكَنَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَطَّلَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لَهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ حَتَّى تُضْمَنَ بِالْعُقُودِ فَكَذَا بِالْغُصُوبِ. وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ، كَيْفَ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ
وَفَصَّلَ مَالِكٌ ﵀ قَالَ: إنْ سَكَنَهَا فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ عَطَّلَهَا فَكَانَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ (لِلشَّافِعِيِّ ﵀ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ) لِكَوْنِهَا غَيْرَ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَصْلَحَةِ الْآدَمِيِّ وَيَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ (وَيَضْمَنُ بِالْعُقُودِ) صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً بِالْإِجْمَاعِ (فَكَذَا بِالْغُصُوبِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ مُتَقَوِّمًا كَمَا لَوْ وَرَدَ عَلَى الْمَيْتَةِ (وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي إمْكَانِهِ) أَيْ تَصَرُّفِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَسْبِهِ (إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى) وَمَا حَدَثَ فِي إمْكَانِ الرَّجُلِ فَهُوَ فِي مِلْكِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْعَبْدِ إلَّا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ إلَى إقَامَةِ التَّكَالِيفِ، فَالْمَنَافِعُ حَاصِلَةٌ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا حُدُوثَهَا عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ لَكِنْ لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبَهَا وَإِتْلَافَهَا وَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَحْقِيقَ غَصْبِهَا وَإِتْلَافَهَا لَكِنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمَنَافِعُ لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ. وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي تَبْقَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ حَيْثُ الْفِنَاءُ وَالْبَقَاءُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَبِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَمَا جَازَ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إلَى مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ مَا تَكُونُ بَيْنَ بَاقٍ وَبَاقٍ لَا بَيْنَ بَاقٍ وَأَبْقَى، فَكَانَ السُّؤَالُ غَيْرَ وَارِدٍ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ بَيْنَ جَوْهَرَيْنِ لَا بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute