مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ مَنْفَعَتِهِ فَأَشْبَهَ الرِّبْحَ وَالْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ. وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَال فَيَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الشُّفْعَةِ. وَهَذَا آيَةُ كَمَالِ السَّبَبِ وَكَثْرَةُ الِاتِّصَالِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ هَاهُنَا لِظُهُورِ الْأُخْرَى بِمُقَابِلَتِهِ وَتَمَلُّكُ مِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُجْعَلُ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَأَشْبَاهِهَا، وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ فَهِيَ لِلْبَاقِينَ فِي الْكُلِّ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَاصَ لِلْمُزَاحَمَةِ مَعَ كَمَالِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ انْقَطَعَتْ. وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غُيَّبًا يَقْضِي بِهَا بَيْنَ الْحُضُورِ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَعَلَّهُ لَا يَطْلُبُ، وَإِنْ قَضَى لِحَاضِرٍ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ يَقْضِي لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلَوْ حَضَرَ ثَالِثٌ فَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، فَلَوْ سَلَّمَ الْحَاضِرَ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ لَا يَأْخُذُ الْقَادِمُ إلَّا النِّصْفَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْكُلِّ لِلْحَاضِرِ
إذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀، فَإِذَا كَانَ الدَّارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ وَطَلَبَ الشَّرِيكَانِ الشُّفْعَةَ قَضَى بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَثْلَاثًا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ لِأَنَّهَا لِتَكْمِيلِ مَنْفَعَتِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ الْمِلْكِ كَالرِّبْحِ وَالْغَلَّةِ وَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ. وَلَنَا أَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الشُّفْعَةِ وَهَذَا آيَةُ كَمَالِ السَّبَبِ، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِيهِ لَا مَحَالَةَ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاتِّصَالُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَصَاحِبُ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ اتِّصَالًا فَأَتَى يَتَسَاوَيَانِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَكَثْرَةُ الِاتِّصَالِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِكُلِّ جُزْءٍ عِلَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ لَوْ انْفَرَدَ اسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ، وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ هَاهُنَا لِظُهُورِ الْأُخْرَى بِمُقَابَلَتِهَا حَيْثُ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْقَلِيلِ، وَلَوْ كَانَ مَرْجُوحًا لَمَا اسْتَحَقَّ شَيْئًا لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ يَنْدَفِعُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ.
وَعُورِضَ بِأَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ قَدْ تَسْتَلْزِمُ مَالًا يَسْتَلْزِمُهُ الْأَفْرَادُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَثِيرِ يَتَفَاوَتَانِ، كَالِابْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ وَالثُّلُثَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مُطْلَقًا تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، أَوْ الَّتِي لَمْ تَجْتَمِعْ مِنْ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ وَالْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنْهُمَا لَا تَسْتَلْزِمُ زِيَادَةً وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةَ سَوَاءٌ وَلَمْ تَسْتَلْزِمْ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ زِيَادَةً، وَمَسْأَلَةُ الْمِيرَاثِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي الِابْنِ عِلَّتَانِ إنْ ضَمِنَتْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فَاسْتَلْزَمَتْ الزِّيَادَةُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ تَفَاوُتِ فِي عُصُوبَتِهِ بِجَعْلِ الشَّارِعِ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحَالَتَانِ.
وَقَوْلُهُ (وَتَمَلَّكَ مِلْكَ غَيْرِهِ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِهِ الشُّفْعَةَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ: يَعْنِي أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّمَلُّكِ لَا يَجْعَلُ الشُّفْعَةَ مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ كَالْأَبِ فَإِنَّ لَهُ التَّمَكُّنَ مِنْ تَمَلُّكِ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ) يَعْنِي وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُ بِحَقِّهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَالشُّفْعَةُ لِلْبَاقِينَ فِي الْكُلِّ عَلَى عَدَدِهِمْ دُونَ أَنْصِبَائِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَامِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِانْتِقَاصُ كَانَ لِلْمُزَاحَمَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالتَّسْلِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute