للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً فَيَلْزَمُ الْإِتْمَامُ ضَرُورَةَ صِيَانَتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ

(وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مُلْزِمًا، هَذَا إذَا أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَلَوْ أَفْسَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي

بَعْدَ السُّجُودِ لِتَأَكُّدِ الشَّبَهِ الثَّانِي بِهِ، وَأَوْجَبْنَا الْقِرَاءَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ لِعَيْنِهَا. وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَإِنَّمَا شُرِعَتْ لِلتَّحَلُّلِ أَوْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا رِعَايَةُ الشَّبَهَيْنِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْوِتْرِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ رُكْنٌ مَقْصُودٌ لِعَيْنِهَا، وَكَوْنُهُ فَرْضًا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَفِيهِ احْتِمَالُ النَّفْلِيَّةِ فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا.

قَالَ (وَمَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا مُلْزِمٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْعُلَمَاءُ أَوْرَدُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيهِ، لَكِنْ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ لَمَّا رَأَى حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِمَا وَاحِدًا أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُتَنَفِّلُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ) أَيْ فِي فِعْلِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ كَمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ نَاوِيًا أَرْبَعًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالثَّانِي عَيْنُ النِّزَاعِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي حَتَّى لَا يَكُونَ مُلْزَمًا وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً بِتَسْلِيمَةٍ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَكُلُّ مَا وَقَعَ قُرْبَةً لَزِمَ إتْمَامُهُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ فَإِنْ قِيلَ: الْمُؤَدَّى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إلْزَامِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَصَلَتْ إلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا وَجْهَ لِلتَّسْلِيمِ إلَيْهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عِبَادَةٌ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ أُثِيبَ عَلَيْهِ؛ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ تَرَكُّبُ الشَّيْءِ مِنْ مُنَافِيهِ وَإِلْزَامُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ عِبَادَةً صَوْمًا أَوْ صَلَاةً مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا بِالْتِزَامِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا) أَيْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ نَاوِيًا أَرْبَعًا (وَقَرَأَ فِي الْأُولَيَانِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) يَعْنِي الشَّفْعَ الثَّانِيَ (؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مُلْزَمًا إذَا كَانَ الْإِفْسَادُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا) بِالْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>