وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ، وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحِلِّ وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى: لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقِيلَ هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي الشُّفْعَةِ، وَقِيلَ هِيَ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُورَثُ عَنْهُ.
قَالَ ﵁: مَعْنَاهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا إذَا مَاتَ
حِصَّتَهُ مَجْهُولَةٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ لِفَقْدِ الْإِعْرَاضِ. قَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ) يَعْنِي أَنَّهَا تَبْطُلُ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فَكَانَ إعْرَاضًا.
فَإِنْ قِيلَ: حَقُّ الشُّفْعَةِ كَحَقِّ الْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي كَوْنِهَا غَيْرَ أَمْوَالٍ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا صَحِيحٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُتَقَرِّرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا يَتَغَيَّرُ بِالصُّلْحِ عَمَّا كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ مُتَقَرِّرٌ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْقَاتِلِ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، وَبِالصُّلْحِ حَصَلَ لَهُ الْعِصْمَةُ فِي دَمِهِ فَكَانَ حَقًّا مُتَقَرِّرًا، فَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الدَّارَ قَبْلَ الصُّلْحِ وَبَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَكُنْ حَقًّا مُتَقَرِّرًا، وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحَلِّ، وَنَظِيرُهُ إذْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ الْمُخَيَّرَةُ الزَّوْجَ وَامْرَأَةُ الْعِنِّينِ تَرْكَ الْفَسْخِ سَقَطَ الْخِيَارُ، وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِبَعْضِهَا قَبْلَ اخْتِيَارِهَا وَبَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَخْذُ الْعِوَضِ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا) أَيْ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ، وَالْعِوَضُ (بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. وَقِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَوَجْهُهُ أَنَّ حَقَّ الْكَفِيلِ فِي الطَّلَبِ وَهُوَ فِعْلٌ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (وَفِي رِوَايَةِ) كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ (لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَسْقُطُ إلَّا بِتَمَامِ الرِّضَا وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِالسُّكُوتِ، وَتَمَامُ الرِّضَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وَجَبَ الْمَالُ، وَأَمَّا حَقُّ الشُّفْعَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالسُّكُوتِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ.
وَقِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: أَيْ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْكَفَالَةِ تَكُونُ رِوَايَةً فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا حَتَّى لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ (وَقِيلَ هِيَ) أَيْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ (فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةٌ) يَعْنِي لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ وَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ (وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إلَخْ) إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَأَثْبَتَهَا بِطَلَبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَسْلِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute