بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبَضَهُ فَالْبَيْع لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ دَارِهِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقِيَامُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ لِلشَّفِيعِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ شَرْطًا فَلَا يَسْتَوْجِبُ الشُّفْعَةَ بِدُونِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَبْطُلْ) لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِوَصِيَّةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يُشْفَعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِهِ وَلِهَذَا يَزُولُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ كَمَا إذَا سَلَّمَ صَرِيحًا أَوْ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ قَالَ (وَوَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ
الْمُشْتَرِي إلَيْهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَوَّلُ كَالثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُعَوَّضُ عَنْهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ لِكَوْنِ حَاجَتِهِ كَحَاجَتِهِ.
وَقُلْنَا: الشُّفْعَةُ بِالْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ، وَاَلَّذِي يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ حَادِثٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ قِيَامُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ بَاعَ تَسْقُطُ، وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي أَنَّ الثَّابِتَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَالْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ (وَلَا تُبَاعُ الدَّارُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتُهُ عَلَى حَقِّ الشَّفِيعِ، لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ حَقُّهُ مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْغَرِيمُ وَالْمُوصَى لَهُ، فَإِنْ بَاعَهَا الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَقْضِيَهُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي فِي حَيَاتِهِ.
لَا يُقَالُ: بَيْعُ الْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يُنْتَقَضُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ لِلشَّفِيعِ حَقَّ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ نَافِذًا، وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يَشْفَعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاتًّا أَوْ بِالْخِيَارِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِزَوَالِ السَّبَبِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِالْمِلْكِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ زَوَالَ السَّبَبِ مُبْطِلٌ (يَزُولُ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسْقِطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِسْقَاطِ، كَمَا إذَا سَلَّمَ صَرِيحًا أَوْ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَا إذَا سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمَشْفُوعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ سَقَطَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ وَالْإِجَارَةَ لَمْ يُوضَعَا لِلتَّسْلِيمِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى رِضَا الشَّفِيعِ وَالرِّضَا بِدُونِ الْعِلْمِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، بِخِلَافِ التَّسْلِيمِ الصَّرِيحِ وَالْإِبْرَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ بَيْعَ مَا يُشْفَعُ بِهِ لَمْ يُوضَعْ لِلتَّسْلِيمِ وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يُبْطِلُهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ مَا يُشْفَعُ بِهِ شَرْطٌ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فَكَانَ كَالْمَوْضُوعِ لَهُ فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ.
قَالَ (وَوَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ إلَخْ) ذَكَرَ الْأَصْلَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَاعَ عَقَارًا هُوَ شَفِيعُهُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute