فَتَكُونَ كِفَايَتُهُ فِي مَالِهِمْ غُرْمًا بِالْغُنْمِ قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ، لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَبِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ.
(وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ، وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بِالْأَمَانَةِ (وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الْعُقُودِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ (وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَيَحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) كَيْ لَا تَصِيرَ الْأُجْرَةُ غَالِيَةً بِتَوَاكُلِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ قَالَ (وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ) لِأَنَّهُ مَتَى يَصِلُ إلَيْهِ أَجْرُ عَمَلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَمِيلُ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ إلَى الْبَعْضِ، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أَجْرًا، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُسْتَفَادُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَبْرِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُشْبِهُ الْقَضَاءَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ.
وَقَوْلُهُ (عَدْلًا مَأْمُونًا) ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا) يَعْنِي لَمْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ بَلْ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ بِاصْطِلَاحِهِمْ، فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَثْبُتُ بِالتَّرَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.
وَقَوْلُهُ (كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرُوا الْكَيَّالَ لِيَفْعَلَ الْكَيْلَ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَالْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَكَذَلِكَ الْوَزَّانُ وَالْحَافِرُ (وَقَوْلُهُ إنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ) تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقَاسِمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْمِسَاحَةِ وَمَدِّ الْأَطْنَابِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ اسْتَوْجَبَ كَمَالَ الْأَجْرِ إذَا قَسَمَ بِنَفْسِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْقِسْمَةِ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّ الْحِسَابَ يَدُقُّ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَيَزْدَادُ دِقَّةً بِقِلَّةِ الْأَنْصِبَاءِ، فَلَعَلَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَشَقُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute