بِأَصْلِ التَّمْيِيز، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ، وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أُطْلِقَ وَلَا يُفَصَّلُ وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ قَالَ.
(وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لَهُمَا أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارَ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا يُفِيدُ، إلَّا أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ
نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ لِكُسُورٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ) بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَأَمَرَا إنْسَانًا بِكَيْلِهِ لِيَصِيرَ الْكُلُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ (فَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أَطْلَقَ وَلَا يَفْصِلُ) يَعْنِي لَوْ أَطْلَقَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: أُجْرَةُ الْكَيَّالِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَيْلُ لِلْقِسْمَةِ أَوْ لَا، فَالْعُذْرُ لَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّفَاوُتُ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَصْعَبَ وَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْقَسَّامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْكِسُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَفْصِلُ) تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْأَجْرَ كُلَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ). قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي) إلَخْ إذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ وَطَلَبُوا قِسْمَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ عَقَارًا فَأَمَّا إنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ أَوْ اشْتَرَوْهُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَقْسِمْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ، وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ (وَقَالَا: يَقْسِمُهُ بِاعْتِرَافِهِمْ) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. لَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْقِسْمَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةٍ فِي الْمِلْكِ أَوْ لِتُهْمَةٍ فِي دَعْوَاهُ أَوْ لِمُنَازِعٍ لِلْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِمُتَحَقِّقٍ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَالْفَرْضُ عَدَمُ الْمُنَازِعِ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَطَلَبُ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا مُنْكِرَ هَاهُنَا فَلَا تُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: أَيْ فِي الصَّكِّ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمُهُ مُتَعَدِّيًا إلَى غَيْرِهِمْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ. إذْ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute