وَلِأَنَّهُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ ذَا الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْقَوِيُّ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ الْمَالَ، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودَ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ هُنَاكَ لِلْعَمَلِ فِي تَحْصِيلِهَا فَلَمْ تَتَحَقَّقْ شَرِكَةٌ. وَلَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ ﵊ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَإِذَا فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ.
وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ
فِي الْكِتَابِ مِنْ الْقِيَاسِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ هُنَالِكَ لِلْعَمَلِ فِي تَحْصِيلِهَا) يَعْنِي لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَهُوَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ فَيُضَافُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْعَامِلُ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِ الشَّرِكَةُ.
(وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ» (وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ) فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِجَارَةِ (فَتَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ) عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْخَارِجِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ نَصِيبَهُ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ يَبْلُغُ مِقْدَارَ عَشْرَةِ أَقْفِزَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ مَعْدُومٌ) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْخَارِجِ (وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ ﷺ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ) وَهِيَ أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ (بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْكُلَّ جَازَ لِأَنَّهُ ﵊ مَلَكَهَا غَنِيمَةً، فَكَانَ مَا تَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَضْلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ (وَهُوَ) أَيْ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ (جَائِزٌ) فَلَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِمَحْجُوزِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِظُهُورِ فَسَادِهِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فِيهَا أَغْلَبُ حَتَّى اُشْتُرِطَتْ فِيهَا الْمُدَّةُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ عِنْدَهُ) وَاضِحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute