وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَيْهِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا شُرِطَ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ. لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ،
كُلِّ وَاحِدٍ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَسَأُوَضِّحُهُ. وَالْمَذْكُورُ مِنْ بُطْلَانِ الرَّابِعِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ جَائِزٌ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى جَوَازِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفَسَادَهَا عَلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً، وَانْعِقَادُهَا إجَارَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ وَالْبَذْرِ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ أَيْضًا، لَكِنَّا جَوَّزْنَاهُ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِمَا دُونَ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ. أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ وَتَعَامَلَ النَّاسُ فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوا اشْتِرَاطَ الْبَذْرِ عَلَى الْمُزَارِعِ وَحِينَئِذٍ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الْعَامِلِ فَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَالتَّعَامُلُ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا يَشْتَرِطُونَ الْبَذْرَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَكَانَ حِينَئِذٍ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ بِذَلِكَ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الْجَوَازِ بِالنَّصِّ فِيهِمَا وَبَقِيَ غَيْرُهُمَا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ الْجَوَازِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ فِيهِ هُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَوْرِدَ الْأَثَرِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ الْعَدَمِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْآخَرِينَ، أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ غَيْرِ مُتَجَانِسَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ ذَلِكَ: وَالضَّابِطُ فِي مَعْرِفَةِ التَّجَانُسِ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ أَنَّ مَا صَدَرَ فِعْلُهُ عَنْ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فَهُوَ جِنْسٌ وَمَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِهَا فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ. فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا فِي تَطْبِيقِ الْوُجُوهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِمَّا كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مِنْ جِنْسٍ وَالْعَمَلَ وَالْبَقَرَ مِنْ جِنْسٍ؛ وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الِاسْتِئْجَارُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ رَبُّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِمَّا فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ شَيْئَانِ غَيْرُ مُتَجَانِسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمُتَجَانِسَيْنِ فَإِنَّ الْأَشْرَافَ أَوْ الْأَصْلَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْأَخَسَّ وَالْفَرْعَ.
وَوَجْهُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَوْ شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، فَكَذَا إذَا شَرَطَ الْبَقَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute