وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ كُلُّ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَتَجَانَسَا فَتَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ تَابِعَةً لَهَا، بِخِلَافِ جَانِبِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ تَجَانَسَتْ الْمَنْفَعَتَانِ فَجُعِلَتْ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ. وَهَاهُنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَتِمُّ شَرِكَةً بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ. وَالثَّانِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ.
وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمُزَارَعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ
وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَمَلِ إذَا شَرَطَ الْبَقَرَ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَرْضِ اسْتَتْبَعَتْهُ لِلتَّجَانُسِ وَضَعُفَ جِهَةُ الْبَقَرِ مَعَهُمَا فَكَانَ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ.
وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ فَلَمْ تَسْتَتْبِعْهُ، وَكَذَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَكَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُعَارَضَةٌ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَغَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِينَ فَكَانَ أَرْجَحَ، وَيَلْزَمُ الْجَوَازُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّصَّ فِي الْمُزَارَعَةِ لِمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا مَرَّ ضَعَّفَ الْعَمَلَ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ. وَقَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الدَّلِيلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ إلَى قُوَّةٍ فِي طَبْعِهَا تُوُهِّمَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالطَّبِيعَةِ فَدَفَعَ ذَلِكَ. وَهَاهُنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْقُدُورِيُّ ﵀ وَهُمَا فَاسِدَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ﵀ وَجْهَ ذَلِكَ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمْ يُسَلِّمْ الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَامِلِ وَمَنْفَعَةَ الْأَرْضِ صَارَتَا مُسَلَّمَتَيْنِ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ لِسَلَامَةِ الْخَارِجِ لَهُ حُكْمًا وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا لِأَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ بِأَمْرِهِ فِي إلْقَاءِ بَذْرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَثَمَّةَ وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرَاهُ: أَيْ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ جَمِيعًا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ وَالْأَرْضُ مِنْ آخَرَ وَالْبَقَرُ مِنْ آخَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «أَنَّهُ وَقَعَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَلْغَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَاحِبَ الْأَرْضِ وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا لِكُلِّ يَوْمٍ وَأَلْحَقَ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ» فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute