قَالَ (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ فَوَجَدَ ثَمَّةَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀: اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً فَصَبَرْت. وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ. قَالَ ﵊ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ وَلَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شِينُ الدِّينِ وَفَتْحُ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي الْكِتَابِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ،
أَيْ قَوْلُ الْمَجُوسِيِّ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْخَبَرِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ غَيْرُ شَرْطٍ فَكَانَ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ضِمْنِيًّا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، فَلَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا مَا كَانَ قَصْدِيًّا.
قَالَ (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ إلَخْ) قِيلَ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْغِنَاءُ بِالْكَسْرِ السَّمَاعُ. قَوْلُهُ (كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ إنَّهُ قِيَاسُ السُّنَّةِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ عَلَى تَارِكِهَا، قَالَ ﷺ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ اقْتِرَانُ الْعِبَادَةِ بِالْبِدْعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صِفَةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرُ) لِيَكُونَ عَامِلًا بِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْعُدَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا جَازَ إذَا كَانَ الْغِنَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَائِدَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَعِيَّةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute