للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ (ثُمَّ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ) لِقَوْلِهِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطَبِ وَالصَّيْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ نَفْسُ إمَامِهِ بِهِ» وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ، وَلِأَنَّهُ مَغْنُومٌ لِوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا فِي سَائِرِ

مَرْجِعٌ حُكْمِيٌّ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَرِيبًا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ مَنْ أَحْيَاهُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَصْبُ الشَّرْعِ. وَالْآخَرُ إذْنٌ بِالشَّرْعِ. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ» وَالْآخَرُ كَقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» أَيْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْغَازِي بِهَذَا الْقَوْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إذْنًا لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ» مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُهُ فَكَانَ رَاجِحًا، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» يَدُلُّ عَلَى السَّبَبِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَشْرُوطًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>