للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَيْءٍ يُطْرَحُ فِيهَا، وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ التَّخْلِيلُ وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ التَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ فَلَهُ فِي الْخَلِّ الْحَاصِلِ بِهِ قَوْلَانِ

لَهُ أَنَّ فِي التَّخْلِيلِ اقْتِرَابًا مِنْ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ، وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ يُنَافِيه

وَلَنَا قَوْلُهُ «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَوْلُهُ «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ يَزُولُ الْوَصْفُ الْمُفْسِدُ وَتَثْبُتُ صِفَةُ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ تَسْكِينُ الصَّفْرَاءِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَالتَّغَذِّي بِهِ وَالْإِصْلَاحُ مُبَاحٌ، وَكَذَا الصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ اعْتِبَارًا بِالْمُتَخَلِّلِ بِنَفْسِهِ وَبِالدِّبَاغِ وَالِاقْتِرَابِ لِإِعْدَامِ الْفَسَادِ فَأَشْبَهَ الْإِرَاقَةَ، وَالتَّخْلِيلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا فِي الثَّانِي فَيَخْتَارُهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَإِذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ، فَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا

وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَيَتَخَلَّلُ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ، وَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ ثُمَّ مُلِئَ خَلًّا يَطْهُرُ فِي الْحَالِ عَلَى مَا قَالُوا.

قَالَ (وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهِ جُرْحًا أَوْ دَبْرَةَ دَابَّةٍ وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا وَلَا أَنْ يَسْقِيَ صَبِيًّا لِلتَّدَاوِي، وَالْوَبَالُ عَلَى مَنْ سَقَاهُ، وَكَذَا لَا يَسْقِيهَا الدَّوَابَّ

وَقِيلَ: لَا تُحْمَلُ الْخَمْرُ إلَيْهَا، أَمَّا إذَا قُيِّدَتْ إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْمَيْتَةِ

وَلَوْ أُلْقِيَ

وَإِنْ كَانَ بِالنَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ وَعَكْسِهِ فَلَهُ قَوْلَانِ.

وَقَالَ فِي الْفَرْقِ: مَا أُلْقِيَ فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ الْخَمْرَ، وَالْمُتَنَجِّسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَدَلِيلُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» هُوَ يَتَنَاوَلُ الْمُخَلَّلَ وَالْمُتَخَلِّلَ لَا مَحَالَةَ، وَلِأَنَّ التَّخْلِيلَ إصْلَاحُ الْمُفْسِدِ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ التَّغَذِّي بِهِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ وَتَسْكِينُ الصَّفْرَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِصْلَاحُ الْمُفْسِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالْمُنَازِعُ مُكَابِرٌ.

وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُخَلَّلُ صَالِحٌ لِلْمَصَالِحِ، وَالصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ مُبَاحٌ اعْتِبَارًا بِالْمُتَخَلِّلِ بِنَفْسِهِ وَبِالدِّبَاغِ. وَقَوْلُهُ (وَالِاقْتِرَابُ لِإِعْدَامِ الْفَسَادِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ فِي التَّخْلِيلِ اقْتِرَابًا مِنْ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ.

وَوَجْهُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ بَلْ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ إعْدَامُ الْفَسَادِ وَذَلِكَ بِالْإِرَاقَةِ جَائِزٌ فَبِالتَّخْلِيلِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا فِي الْمَآلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمَا بَعْدَهُ إلَّا الْمُكَابَرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ «لَا وَلَكِنْ أَرَقُّهَا حِينَ سَأَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ عَنْ تَخْلِيلِ خَمْرِ أَيْتَامٍ عِنْدَهُ»، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ الْخَمْرُ خَلًّا» أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ التَّحْرِيمِ قَمْعًا لَهُمْ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَ الْخُمُورِ كَمَا حَرَّمَ الِانْتِبَاذَ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِ ثَانِيًا بِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُحَرِّمُهُ. وَيُوَضِّحُهُ «أَنَّهُ أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَشَقِّ الزِّقَاقِ» وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّخَاذِ الِاسْتِعْمَالُ كَمَا فِي النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ «وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: مَا عَبَدْنَاهُمْ قَطُّ، فَقَالَ : أَلَيْسَ كَانُوا يَأْمُرُونَ وَيَنْهَوْنَ وَتُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ» فَسَّرَ الِاتِّخَاذَ بِالِاسْتِعْمَالِ

دُرْدِيُّ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا: مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهِ، وَمَعْنَاهُ يَحْرُمُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>