للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّرْدِيُّ فِي الْخَلِّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا لَكِنْ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَلِّ إلَيْهِ لَا عَكْسُهُ لِمَا قُلْنَا.

قَالَ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ) أَيْ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ (إنْ لَمْ يَسْكَرْ)

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ

وَلَنَا أَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ النَّبْوَةِ عَنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثُّفْلُ فَصَارَ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِالِامْتِزَاجِ

(وَيُكْرَهُ الِاحْتِقَانُ بِالْخَمْرِ وَإِقْطَارُهَا فِي الْإِحْلِيلِ)؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْمُحَرَّمِ

وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّرْبِ وَهُوَ السَّبَبُ، وَلَوْ جُعِلَ الْخَمْرُ فِي مَرَقَةٍ لَا تُؤْكَلُ لِتَنَجُّسِهَا بِهَا وَلَا حَدَّ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الطَّبْخُ

وَيُكْرَهُ أَكْلُ خُبْزٍ عُجِنَ عَجِينُهُ بِالْخَمْرِ لِقِيَامِ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ فِيهِ.

فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ

وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ذَهَبَ بِغَلَيَانِهِ بِالنَّارِ وَقَذَفَهُ بِالزَّبَدِ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَيُعْتَبَرُ ذَهَابُ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ لِيَحِلَّ الثُّلُثُ الْبَاقِي، بَيَانُهُ عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ طُبِخَ فَذَهَبَ دَوْرَقٌ بِالزَّبَدِ يُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ سِتَّةُ دَوَارِقَ وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ زَبَدًا هُوَ الْعَصِيرُ أَوْ مَا يُمَازِجُهُ، وَأَيًّا مَا كَانَ جُعِلَ كَأَنَّ الْعَصِيرَ تِسْعَةُ دَوَارِقَ فَيَكُونُ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةً

وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ قَبْلَ الطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بِمَائِهِ، إنْ كَانَ الْمَاءُ أَسْرَعَ ذَهَابًا لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ يُطْبَخُ الْبَاقِي بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِقْدَارُ مَا صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَاءُ وَالثَّانِي الْعَصِيرُ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا تُغْلَى الْجُمْلَةُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ مَاءً وَعَصِيرًا وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مَاءٌ وَعَصِيرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِالْغَلْيِ ثُلُثَاهُ

بَيَانُهُ عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ وَعِشْرُونَ دَوْرَقًا مِنْ مَاءٍ

فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ

وَإِنَّمَا خَصَّ الِامْتِشَاطَ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ. وَقَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى التَّعْلِيلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْمَيْتَةِ

(وَلَا يُحَدُّ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ إنْ لَمْ يَسْكَرْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَنَا إلَخْ وَاضِحٌ

(فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ)

لَمَّا كَانَ طَبْخُ الْعَصِيرِ مِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهِ عَنْ التَّخَمُّرِ أَلْحَقَهُ بِالْأَشْرِبَةِ تَعْلِيمًا لِإِبْقَاءِ مَا هُوَ حَلَالٌ عَلَى حِلِّهِ. الدَّوْرَقُ: مِكْيَالٌ لِلشَّرَابِ وَهُوَ عَجَمِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ يَذْهَبَانِ مَعًا تُغْلَى الْجُمْلَةُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلِمَ أَنَّ الْعَصِيرَ عَلَى نَوْعَيْنِ: مِنْهُ مَا لَوْ صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ وَطُبِخَ يَذْهَبُ الْمَاءُ أَوَّلًا، وَمِنْهُ إذَا صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ يَذْهَبَانِ مَعًا. فَفَصَّلَ الْجَوَابَ فِيهِ تَفْصِيلًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ مَتَى مَا كَانَ أَسْرَعَ ذَهَابًا فَإِنَّهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُ الْعَصِيرِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا فَإِنَّهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُ الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا يَذْهَبُ فِيهِ الْمَاءُ أَوَّلًا. وَقَوْلُهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى تُسْعُ الْجُمْلَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>