الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ ﵁، وَلِأَنَّ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِي آلَةٌ، وَالذَّبْحُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْآلَةِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ فِيهِمَا بِالْإِرْسَالِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ
وَلَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُرْمَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي الذَّبَائِحِ
وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِيَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيُّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فِي الْبَدَنِ بِانْتِسَابِ مَا وُجِدَ مِنْ الْآلَةِ إلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ
وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبُ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ وَلَا تَنَافِيَ، وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ
تَعْلِيمِهِ عِنْدَ الثَّالِثِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا بِطَرِيقِ تَعْيِينِ إمْسَاكِهِ الثَّالِثِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا حَكَمْنَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ أَخَذَهُ بَعْدَ إرْسَالِ صَاحِبِهِ فَيَحِلُّ
وَقَوْلُهُ (فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يُرِيدُ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ قَتَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي الصَّيْدَ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ لَا يَحِلُّ، وَأَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ، وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ (فِي تَأْوِيلٍ) يَعْنِي غَيْرَ مَا أَوَّلْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ فِي تَأْوِيلٍ. وَذَلِكَ مَا يَكُونُ جَارِحًا حَقِيقَةً بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ: يَعْنِي يُجْمَعُ فِي الْآيَةِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّصَّ إذَا أُورِدَ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يَثْبُتُ الْجَمِيعُ أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ قِيلَ أُرِيدَ بِهِ الْحَبَلُ، وَقِيلَ الْحَيْضُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُرَادَانِ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ هَاهُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجَرْحَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْجَرْحِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْجِرَاحَةُ، أَوْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ فَإِنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ بِالتَّوَاطُؤِ وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْجَارِحِ الْكَاسِبِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute