فَكَانَ آيَةُ تَعْلِيمِهِ تَرْكَ مَأْلُوفِهِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ
ثُمَّ شُرِطَ تَرْكُ الْأَكْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدَ الِاحْتِمَالِ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً لَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ وَإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
وَفِي بَعْضِ قَصَصِ الْأَخْيَارِ: وَلِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ أَمَارَةً عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْقَلِيلِ، وَالْجَمْعُ هُوَ الْكَثِيرُ وَأَدْنَاهُ الثَّلَاثُ فَقُدِّرَ بِهَا
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ اجْتِهَادًا بَلْ نَصًّا وَسَمَاعًا وَلَا سَمْعَ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا
وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا
بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، فَكَانَ الثَّالِثُ صَيْدَ كَلْبٍ جَاهِلٍ وَصَارَ كَالتَّصَرُّفِ الْمُبَاشِرِ فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى
وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ تَعْلِيمِهِ عِنْدَهُ فَكَانَ هَذَا صَيْدَ جَارِحَةٍ مُعَلَّمَةٍ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَ عِلْمِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ.
قَالَ (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازِيَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ
قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِي، ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فَرْقًا بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْبَازِي لَا غَيْرُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِذَا أُرِيدَ الْفَرْقُ عُمُومًا فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ قَصَصِ الْأَخْيَارِ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ حِكَايَةَ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ فِي الْكَرَّةِ الثَّالِثَةِ ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ وَقَوْلُهُ (كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا) أَيْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي جِنْسِ الْمَقَادِيرِ نَحْوُ حَبْسِ الْغَرِيمِ وَحَدِّ التَّقَادُمِ وَتَقْدِيرِ مَا غَلَبَ فِي نَزْحِ مَاءِ الْبِئْرِ الْمُعَيَّنَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ تَعْلِيمِهِ عِنْدَهُ) أَيْ أَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ عَلَامَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute