للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّهْمِ آلَةً لَهُ فَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ

قَالَ (وَإِذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهَا بِوُجُوهِهَا، وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَا نُعِيدُهُ.

قَالَ (وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ) ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَائِمٌ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي هَذَا كَالْمُتَحَقِّقِ لِمَا رَوَيْنَا، إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ

يُشِيرُ إلَى أَنَّ كَوْنَ مَا تَبَيَّنَ حِسُّهُ مِنْ الصَّيُودِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ حَلَّ أَكْلُهُ مَشْرُوطًا بِالذَّبْحِ، حَتَّى لَوْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ ظَبْيًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ سَمَكَةٌ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ، وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا وَظَنَّهُ آدَمِيًّا وَرَمَاهُ فَأَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَهُوَ صَيْدٌ حَلَّ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِ كَوْنِهِ صَيْدًا.

فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ رَمْيَ الْآدَمِيِّ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَصَدَ رَمْيِ الْآدَمِيِّ وَرَمْيُ الْآدَمِيِّ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ وَقَدْ حَلَّ الْمُصَابُ. وَالْقِيَاسُ إمَّا شُمُولُ الْحِلِّ أَوْ شُمُولُ عَدَمِهِ أَوْ انْعِكَاسُ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الْمُصَابُ مَعَ اقْتِرَانِ ظَنِّهِ بِأَنَّهُ آدَمِيٌّ فَفِيمَا إذَا اقْتَرَنَ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ صَيْدٌ أَوْلَى، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِعْلُهُ اصْطِيَادًا نَظَرًا إلَى قَصْدِهِ فَلَا يَحِلُّ الْمُصَابُ هَاهُنَا، وَحَلَّ هُنَاكَ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ: أَيْ تَعَيُّنِ كَوْنِهِ صَيْدًا. وَبَيَانُهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَصَابَ سَهْمُهُ غَيْرَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ وَالْمَسْمُوعُ حِسُّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَكَانَ فِعْلُهُ مُتَوَجِّهًا إلَى غَيْرِ الصَّيْدِ نَظَرًا إلَى فِعْلِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ لِلْمَسْمُوعِ حِسُّهُ وَهُوَ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ اصْطِيَادًا، وَحِلُّ الصَّيْدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِوُجُودِ فِعْلِ الِاصْطِيَادِ فَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِانْعِدَامِ فِعْلِ الِاصْطِيَادِ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَسَهْمُهُ أَصَابَ عَيْنَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ وَعَيْنُهُ صَيْدٌ فَكَانَ الْفِعْلُ وَاقِعًا عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ بِحَقِيقَتِهِ، فَلَمَّا وَجَدَ الِاصْطِيَادَ بِحَقِيقَتِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ ظَنُّهُ ذَلِكَ الْمُخَالِفَ لِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ اصْطِيَادٌ بِحَقِيقَتِهِ، وَالظَّنُّ إذَا وَقَعَ مُخَالِفًا لِحَقِيقَةِ فِعْلِهِ كَانَ الظَّنُّ لَغْوًا فَيَحِلُّ أَكْلُ الْمُصَابِ لِوُجُودِ فِعْلِ الِاصْطِيَادِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْجَوَارِحِ بِقَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ (فَتَحَامَلَ) التَّحَامُلُ فِي الْمَشْيِ أَنْ يَتَكَلَّفَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَإِعْيَاءٍ يُقَالُ تَحَامَلْت فِي الْمَشْيِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ) قِيلَ إذَا وَجَدَهُ وَفِيهِ جِرَاحَةُ سَهْمِهِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ وَفِيهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ تَرَكَ الطَّلَبَ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ كَمَا سَيَجِيءُ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْحِلَّ، وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَيَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ سَبَبٌ وَهُوَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الرَّمْيِ، وَالْحُكْمُ مَتَى ظَهَرَ عَقِيبَ سَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَ إنْسَانًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُجْعَلُ قَاتِلًا. قُلْنَا: لَمَّا وُجِدَ فِيهِ جَرْحُ غَيْرِهِ كَانَ الْقَتْلُ مِنْهُ مَوْهُومًا: وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا كَالْمُتَحَقِّقِ لِقَوْلِهِ «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» قَالَهُ حِينَ «أَهْدَى رَجُلٌ إلَيْهِ صَيْدًا فَقَالَ مَنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ كُنْت رَمَيْته بِالْأَمْسِ وَكُنْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ ثُمَّ وَجَدَتْهُ الْيَوْمَ مَيِّتًا وَفِيهِ مِزْرَاقِي، وَهُوَ الرُّمْحُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ : لَا أَدْرِي لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَوْتِ) دَلِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>