للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْضَائِهِ كَمَا

الرِّبَا فَكَذَا هَذَا.

وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ مَا قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الرِّهَانَ مَصْدَرًا وَهُوَ جَمْعُ رَهْنٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الرَّهْنِ لَا إلَى الْقَبْضِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَبْضَ إنْ كَانَ شَرْطًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِلُّزُومِ وَسُلِّمَ ذَلِكَ فَقَدْ ارْتَفَعَ النِّزَاعُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّلِيلِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ كَمَا قَالَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَدْ تُرِكَ، وَمَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ لِأَنَّهُ جَمْعُ رَهْنٍ وَالرَّهْنُ مَصْدَرٌ فَجَمْعُهُ كَذَلِكَ، وَإِسْنَادُ " مَقْبُوضَةٌ " إلَى ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا فِي: سَيْلٌ مُفْعَمٌ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْوُجُوبِ حَقِيقَةٌ كَمَا عُرِفَ وَالْإِجْمَاعُ لَا يَصْلُحُ قَرِينَةً لِلْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَجَازَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بِقَرِينَةٍ وَالْإِجْمَاعُ لَمْ يَكُنْ حَالَ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَصُرِفَ إلَى الْقَبْضِ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الدَّلِيلَ لِإِلْزَامِ مَالِكٍ حَيْثُ لَا يَجْعَلُهُ شَرْطَ اللُّزُومِ وَلَا الْجَوَازِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الرَّهْنَ بِالْقَبْضِ كَمَا وَصَفَ التِّجَارَةَ بِالتَّرَاضِي، وَالتَّرَاضِي وَصْفٌ لَازِمٌ فِي التِّجَارَةِ فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الرَّهْنِ. لَا يُقَالُ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَهُ، وَإِمَّا لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ تَكُنْ الصِّفَةُ مَقْصُودَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْوُجُوبَ انْصَرَفَ إلَيْهَا. وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِدَلِيلٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمُؤَوَّلَةَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ وَهِيَ عَامَّةُ الدَّلَائِلِ، هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>