عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، بِخِلَافِ حَالَةِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ هَذَا الِاسْتِيفَاءَ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ، وَلَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ
أَمَّا الْعَيْنُ فَأَمَانَةٌ حَتَّى كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَكَذَا قَبْضُ الرَّهْنِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فَلَا تَنُوبُ عَنْ قَبْضِ ضَمَانٍ، وَمُوجِبُ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا يُحَقِّقُ
أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّهْنَ يَدُلُّ عَلَى الْيَدِ وَالْحَبْسِ ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَالرَّقَبَةِ وَقَدْ حَصَلَ بَعْضُهُ، وَتَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ النَّقْضِ، فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ وَاسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا أَدَّى إلَى تَكْرَارِ الْأَدَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْيَدِ وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ هَذَا الِاسْتِيفَاءُ: أَيْ لِلدَّيْنِ بِالْحَبْسِ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْأَدَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلْ الْهَلَاكَ كَالرَّدِّ فِي نَقْضِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِتَقْرِيرِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّرُ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ بَلْ يُنْقَضُ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا أَمْكَنَ رَدُّ الْعَيْنِ إلَى الْمَالِكِ كَالثَّمَنِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَسْتَوْفِ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَقَبَةً لَا يَدًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِدُونِ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْيَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ.
وَقَوْلُهُ (وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ بِالرَّهْنِ اسْتِيفَاءٌ لَكَانَ إمَّا لِعَيْنِ الدَّيْنِ أَوْ لِبَدَلِهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الرَّهْنَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ جَائِزٌ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِمَا غَيْرُ جَائِزٍ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّا نَخْتَارُ الْأَوَّلَ. وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ. قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ أَوْ الْمَالِيَّةُ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَلَيْسَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ بَلْ هُوَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ أَمَانَةً، حَتَّى كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَذَا قَبْضُ الرَّهْنِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مَالِيَّةٌ وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِهَا.
وَقَوْلُهُ (وَمُوجَبُ الْعَقْدِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ وَبَعْدَ الْوَثِيقَةِ يَزْدَادُ مَعْنَى الصِّيَانَةِ، وَالسُّقُوطُ بِالْهَلَاكِ يُضَادُّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ يُحَقِّقُ الصِّيَانَةَ لَا مَحَالَةَ، وَفَرَاغُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِصِيَانَةِ حَقِّ الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ لَا اللَّوَازِمِ الضِّمْنِيَّةِ. وَنُوقِضَ بِنَقْضٍ إجْمَالِيٍّ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ بَعْدَ الْفَسْخِ مَحْبُوسٌ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ، حَتَّى إذَا مَاتَ الْآجِرُ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ إذَا هَلَكَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute