للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ وَقَالَ قَائِلُهُمْ:

وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ … يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا

وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَنْعَطِفُ عَلَى الْأَلْفَاظِ عَلَى وَفْقِ الْأَنْبَاءِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُوصِلَةً إلَيْهِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ، وَلِيَكُونَ

فِيهِ نَقْصٌ عَنْ الدَّيْنِ غَرِمَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ النَّقْصَ، وَإِنْ بِيعَ بِفَضْلٍ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ الْفَضْلَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَتَقْرِيرُهُ: الثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَدُ الِاسْتِيفَاءِ هُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لُغَةً يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي.

وَقَالَ زُهَيْرٌ:

وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ … يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا

أَيْ ارْتَهَنَتْ الْمَحْبُوبَةُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْوَدَاعِ وَاحْتَبَسَ قَلْبُهُ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ وَلَا هَلَاكٌ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى الْحَبْسِ الدَّائِمِ. قِيلَ الدَّوَامُ إنَّمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا فِكَاكَ لَهُ لَا مِنْ لَفْظِ الرَّهْنِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ وَتَأَبَّدَ بِنَفْيِ الْفِكَاكِ دَلَّ أَنَّهُ عَنْ الدَّوَامِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَلِكَ لَمَا دَامَ بِنَفْيِ مَا يَعْتَرِضُهُ بَلْ كَانَ الدَّوَامُ يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ مَا يُوجِبُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ اللُّغَةَ تَدُلُّ عَلَى إنْبَاءِ الرَّهْنِ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَنْعَطِفُ عَلَى الْأَلْفَاظِ عَلَى وَفْقِ الْأَنْبَاءِ فَيَكُونُ لَفْظُ الرَّهْنِ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ مُنْبِئًا عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ وَلَا مُقْتَضَى لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَلِتَكُنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ عِنْدَك، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مُوَصِّلًا إلَيْهِ: أَيْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَذَلِكَ: أَيْ كَوْنُهُ مُوَصِّلًا إلَيْهِ ثَابِتٌ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ جُحُودِ الرَّهْنِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ.

وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْحَبْسَ يُفْضِي إلَى أَدَاءِ الْحَقِّ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُخْشَى إنْ جَحَدَ الدَّيْنَ أَنْ يَجْحَدَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى إيفَاءِ الْأَقَلِّ لِتَخْلِيصِ الْأَكْثَرِ أَوْ لِضَجَرِهِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَهَذِهِ أَيْضًا قَضِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الْيَدِ وَالْحَبْسِ فَتُضَمُّ إلَيْهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>