فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ، وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ
قَالَ (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ دُونَ النَّخِيلِ، وَلَا زَرْعُ الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَا رَهْنُ النَّخِيلِ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا)؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ (وَكَذَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ النَّخِيلِ دُونَ الثَّمَرِ)؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ (وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوِرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ (وَلَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النَّخِيلِ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ، وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا، وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ (وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْقَرْيَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا جَازَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ كُلُّهُ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَا وَرَدَ إلَّا عَلَى الْبَاقِي، وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ، وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ، وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ فِي وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.
قَالَ (وَلَا يَصِحُّ) (الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ) كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ
قَالَ (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ دُونَ النَّخِيلِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَعِلَّتُهُ عِلَّتُهُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْجَامِعَ أَنَّ اتِّصَالَ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ يَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ فِي الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ) يَعْنِي إذَا رَهَنَ دَارًا مَشْغُولَةً بِأَمْتِعَةِ الرَّاهِنِ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ تَابِعَةً لِلدَّارِ بِوَجْهٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي رَهْنِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَانْتَفَى الْقَبْضُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الدَّارَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَمْ تَدْخُلْ الْأَمْتِعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ النَّخِيلَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا فَإِنَّهُ تَدْخُلُ الثِّمَارُ فَتَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِاتِّصَالِهَا بِهَا خِلْقَةً.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) يَعْنِي بَعْضَ الرَّهْنِ بِأَنْ رَهَنَ دَارًا أَوْ أَرْضًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي غَيْرَ مُشَاعٍ بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا مُعَيَّنًا غَيْرَ مُشَاعٍ أَوْ كَانَ مُشَاعًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ مِنْ الِابْتِدَاءِ كَانَ مَا بَقِيَ وَهُوَ غَيْرُ مُشَاعٍ وَكَانَ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ مِنْ الْأَوَّلِ مُشَاعٌ وَهُوَ مَانِعٌ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ) يَعْنِي قَالَ الْمَشَايِخُ ﵏: إذَا رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا لِجَامٌ أَوْ سَرْجٌ دَخَلَ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَبَعًا.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ) قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute