لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ
(وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالشُّفْعَةِ)؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَلَا بِالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَلَا بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ، حَتَّى لَوْ ضَاعَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ
(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ خَمْرًا أَوْ يَرْتَهِنَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الرَّاهِنُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَالْخَمْرُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ كَمَا إذَا غَصَبَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ، أَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا وَارْتِهَانُهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ عَبْدًا أَوْ خَلًّا أَوْ شَاةً مَذْبُوحَةً ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ الْخَلُّ خَمَرًا أَوْ الشَّاةُ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ)؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا (وَكَذَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا وَرَهَنَ بِقِيمَتِهِ رَهْنًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ) وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ رَهْنًا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ، وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَهَذَا أَنْظَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ خِيفَةَ الْغَرَامَةِ (وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا، الْوَدِيعَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) فِي هَذَا
مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ، وَلَوْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ رَهَنَ بِهَا رَهْنًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ فَكَانَ كَالْمَبِيعِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بِالشُّفْعَةِ) صُورَتُهُ أَنْ يَطْلُبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَيَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي أَعْطِنِي رَهْنًا بِالدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ ضَاعَ) يَعْنِي الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ الْمُسْتَأْجِرَ بِتَسْلِيمِ الْأَجْرِ.
وَقَوْلُهُ (فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) يَعْنِي بِالْأَقَلِّ وَمِنْ قِيمَتِهِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا) أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ لَوْ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي قَبْلَ ظُهُورِ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالثَّمَنِ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَلِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَقْتُولَ (حُرٌّ) وَقَدْ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَبْضٌ بِمَالٍ مَضْمُونٍ ظَاهِرًا فَكَانَ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ حَقِيقَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ خِلَافُهُ: يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ، وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَالِاسْتِيفَاءُ بِدُونِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ) يَعْنِي أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَحْفُوظَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَسَائِلِ الْبَاقِيَةِ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْخَلِّ وَالشَّاةِ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (لِابْنِهِ الصَّغِيرِ) احْتِرَازٌ عَنْ الِابْنِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنِ الِابْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute