الْبَابِ لِمَا بَيَّنَّا
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي هَذَا نَصْبٌ حَافِظٌ لِمَالِهِ نَاجِزًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَيَصِيرُ الْأَبُ) أَوْ الْوَصِيُّ (مُوفِيًا لَهُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِهِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ
قَالُوا: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ، فَإِنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّبِيِّ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ جَازَ وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَكَذَا وَكِيلُ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ، وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ نَظَرًا إلَى عَاقِبَتِهِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الضَّمَانِ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ أُنْزِلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ فَتَوَلَّى طَرَفِي الْعَقْدِ (وَلَوْ ارْتَهَنَهُ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ أَوْ رَهْنًا عَيْنًا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا لَا يَتَوَلَّاهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ، وَالرَّهْنِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا أَنْظَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِمَا فِيهِ وَيَضْمَنُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ ضَمِنَا مِقْدَارَ الدَّيْنِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُمَا فِيهَا مُودَعٌ وَلَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ) بَلْ يَبْقَى دَيْنُ الْغَرِيمِ عَلَى الْأَبِ كَمَا كَانَ وَيَصِيرُ لِلصَّغِيرِ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ) يُرِيدُ بَيَانَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ رَاهِنًا وَمُرْتَهِنًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَيَأْخُذَ شَيْئًا رَهْنًا مِنْ مَتَاعِهِ فَيَكُونَ رَاهِنًا مِنْ جِهَةِ ابْنِهِ وَمُرْتَهِنًا لِذَاتِهِ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ عَبْدٌ لَهُ تَاجِرٌ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْوَصِيِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ الْأَبِ أَوْلَى، فَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مِنْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَجْعَلُ رَهْنَهُ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَرَهْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا رَهَنَ مِنْ عَبْدِهِ، وَالْوَصِيُّ لَوْ رَهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا مِنْ عَبْدِهِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ بِأَنْ بَاعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَذَا جَازَ رَهْنُهُ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَكَذَا رَهْنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute