تَعَيَّبَا
(وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا فَصَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ، فَإِذَا حَيِيَ بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ حُكْمُهُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُنْتَقَضُ لَا يَعُودُ، أَمَّا الرَّهْنُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ
وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَمْنَعُ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَيَقُولُ: يَعُودُ الْبَيْعُ
قَالَ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَيْهِ (فَإِنْ هَلَكَ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ)؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا؛ إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ، وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ، فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا،
يَعْنِي بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بِنَفْسِهِ فَهَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ، إنْ كَانَا مُسْلِمِينَ أَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا جَازَ تَخْلِيلُهُ، لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ تَلِفَتْ بِالتَّخَمُّرِ بِحَيْثُ لَا يُضْمَنُ وَذَلِكَ يُسْقِطُ الدَّيْنَ، لَكِنَّ إعَادَتَهَا مُمْكِنَةٌ بِالتَّخَلُّلِ فَصَارَ كَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ ذَلِكَ، وَإِذَا أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْخَمْرُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي الْمُرْتَهِنِ الْكَافِرِ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَحَلٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، لِأَنَّ صِفَةَ الْخَمْرِيَّةِ لَا تَعْدَمُ الْمَالِيَّةَ فِي حَقِّهِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الْمُسْلِمِ تَخْلِيلُهَا، فَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَهَا لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِمَا صَنَعَ، كَمَا لَوْ غَصَبَ خَمْرَ ذِمِّيٍّ فَخَلَّلَهَا فَالْخَلُّ لَهُ، وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ، وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّخْلِيلِ مِنْ دَيْنِهِ.
وَقَوْلُهُ (فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ حَيَّةً وَمَسْلُوخَةً فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا حَيَّةً عَشَرَةً وَقِيمَتُهَا مَسْلُوخَةً تِسْعَةٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الِارْتِهَانِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَسْلُوخَةً ثَمَانِيَةً كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي النِّهَايَةِ
قَالَ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ إذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِأَحْكَامِهَا، وَالرَّهْنُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ حَقًّا لَازِمًا إذْ اللَّازِمُ هُوَ الْقَارُّ، وَالْقَارُّ مَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي جُمْلَةِ الْأُمِّ، وَلَا يَنْفَرِدُ مَنْ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ حُكْمِهِ كَكَوْنِهَا حُرَّةً وَقِنَّةً وَمَبِيعَةً وَمُكَاتَبَةً وَمُدَبَّرَةً، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا تَرِدَ كَفَالَةُ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا مَا تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ، وَالزَّكَاةُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَثْبُتَانِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَالْمَالِكِ لَا فِي عَيْنِ الْأُمَّهَاتِ، وَلِئَلَّا يَرِدَ وَلَدُ الْجَانِيَةِ فَإِنَّ مَنْ عَلَيْهِ يَنْفَرِدُ بِالْإِبْطَالِ بِاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْأَوْلَادَ بِصَلَاحِيَتِهَا لِأَحْكَامِ الْأَوْصَافِ لِئَلَّا يَرِدَ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَالْمَنْكُوحَةِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا، لِأَنَّ الْأَوْلَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute