حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ ﵀ فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ
قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْقِصَاصَ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ
«لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِإِحْيَائِهِ وَهُوَ وَصْفٌ مُعَلَّلٌ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ وَالِدَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ وَجَدَهُ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ مِنْ الْوَالِدِ إلَى الْجَدِّ مُطْلَقًا وَإِلَى الْأُمِّ وَالْجَدَّاتِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَسْبَابٌ لِإِحْيَائِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ. قَوْلُهُ (وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَسْتَحِقُّ إفْنَاءَهُ لَا الْوَلَدُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفَنَائِهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: إنْ ذَبَحَهُ يُقَادُ بِهِ لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْخَطَأِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَإِنَّ فِيهِ تَوَهُّمَ التَّأْدِيبِ، لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُبُوَّةِ تَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ نَوْعُ شُبْهَةٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ ﵀. وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْمَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. لَا يُقَالُ: فَيَجِبُ أَنْ يُحَدَّ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ، لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ ﷺ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» صَارَ شُبْهَةً فِي الدَّرْءِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ
وَقَوْلُهُ (وَلَا وَلَدُهُ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute