«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ» الْحَدِيثُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَخْذُ بِالرِّضَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ الصُّلْحُ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إحْسَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي. وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَهُوَ حَالٌّ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ نَحْوُ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ. .
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ) لِأَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ أُضِيفَ إلَيْهِمَا.
(وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ عَنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نُصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ).
إذَا اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ كَانَ مَعْنَاهُ الْبَدَلَ: أَيْ فَمَنْ أُعْطِيَ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَاتِّبَاعٌ: أَيْ فَمَنْ أُعْطِيَ وَهُوَ وَلِيُّ الْقَتْلِ مُطَالَبَةَ بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ مُجَامَلَةٍ وَحُسْنِ مُعَامَلَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا فِي عَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْبَعْضُ، وَتَقْرِيرُهُ فَمَنْ عُفِيَ عَنْهُ وَهُوَ الْقَاتِلُ مِنْ أَخِيهِ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ شَيْءٌ مِنْ الْقِصَاصِ بِأَنْ كَانَ لِلْقَتِيلِ أَوْلِيَاءٌ فَعَفَا بَعْضُهُمْ فَقَدْ صَارَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى حِصَصِهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵃، فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ: أَيْ فَلْيَتَّبِعْ غَيْرُ الْعَافِي بِطَلَبِ حِصَّتِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَلِيُؤَدِّ الْقَاتِلُ إلَيْهِ حَقَّهُ وَافِيًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَلِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: إنْ شَاءُوا قَادُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ (وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَخْذُ بِالرِّضَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ الصُّلْحُ بِعَيْنِهِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (نَصُّ مُقَدِّرٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ. وَقَوْلُهُ (كَالْخُلْعِ وَغَيْرُهُ) يَعْنِي كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute