فَبَرَأَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ لِلْجَمْعِ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ، وَفِي الْآخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتَفَى بِدِيَّةٍ وَاحِدَةٍ (وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ: اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُقْتَلُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ، إمَّا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ هَذَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، أَوْ لِأَنَّ الْحَزَّ يَقْطَعُ إضَافَةَ السِّرَايَةِ إلَى الْقَطْعِ، حَتَّى لَوْ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ يَجِبُ.
مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ شَخْصَيْنِ فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا، فَإِنْ كَانَا مِنْ شَخْصَيْنِ يُفْعَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجَبُ فِعْلِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِيجَابُ مُوجَبِ الْفِعْلَيْنِ أَوْ إهْدَارُ أَحَدِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ﵀ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ) يَعْنِي الِاكْتِفَاءَ بِمُوجَبِ أَحَدِهِمَا وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ: يَعْنِي فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ فَيُجْعَلُ الثَّانِي مُتَمِّمًا لِلْأَوَّلِ وَيُجْعَلُ الْكُلُّ وَاحِدًا، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ إمَّا بِاخْتِلَافِ الْفِعْلَيْنِ وَصْفًا أَوْ مُوجَبًا أَوْ بِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، فَحِينَئِذٍ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ.
فَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ فَلَا جَمْعَ أَصْلًا لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى فَيَكُونُ الْقَتْلُ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ اخْتَلَفَا جِنْسًا فَكَذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ تَجَانَسَا خَطَأً جُمِعَ بِالْإِجْمَاعِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَخَلُّلُ الْبُرْءِ وَالِاخْتِلَافِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَجَانُسًا عَمْدًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ ثُمَّ يَقْتُلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ وَقَالَا يَقْتُلُ وَلَا يَقْطَعُ، وَقَوْلُهُ (فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ اقْطَعُوهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute