الْقَوَدُ عَلَى الْحَازِّ فَصَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ فَيَجْتَمِعُ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعَانِ. أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا يَجْتَمِعَانِ. .
قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ﵀: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ الْخِيَارَ، قَالَا: الْجَمْعُ مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: بَلْ الْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ إمَّا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ لِخُلُوِّ الْقَطْعِ إذْ ذَاكَ عَنْ الْجَزَاءِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْحَزَّ يَقْطَعُ إضَافَةَ السِّرَايَةِ إلَى الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ صَدَرَا مِنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْحَازِّ، وَإِذَا انْقَطَعَ إضَافَةُ السِّرَايَةِ إلَيْهِ صَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ وَلَا جَمْعَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ هُوَ الدِّيَةُ وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَرْشُ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ: يَعْنِي الْقَطْعَ بِانْقِطَاعِ تَوَهُّمِ السِّرَايَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْجَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ، فَأَرْشُ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ، وَبِهِ يَجِبُ ضَمَانُ الْكُلِّ فَيَجْتَمِعُ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ الْحَزِّ، وَفِي ذَلِكَ تَكْرَارُ دِيَةِ الْيَدِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْكُلِّ يَشْمَلُهَا وَالتَّكْرَارُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قِصَاصُ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسَّرَايَةِ فَيَجْتَمِعُ قِصَاصُ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ. قُلْنَا: بَلْ يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ، وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْعَمْدَ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ وَلِهَذَا تُقْتَلُ الْعَشَرَةُ بِالْوَاحِدِ، وَفِي مُرَاعَاةِ صُورَةِ الْفِعْلِ مَعْنَى التَّغْلِيظِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارُهُ فِيهِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَمَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ، فَاعْتِبَارُ التَّغْلِيظِ فِيهِ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا.
قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ إلَخْ) وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا تِسْعِينَ سَوْطًا فِي مَكَان وَعَشَرَةً فِي مَكَان فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَسَرَى مَوْضِعُ الْعَشَرَةِ وَمَاتَ مِنْهُ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا كُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute