للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ وَجَرَحَتْهُ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ) لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ. .

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، لَهُمَا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجِبِهِ، وَمُوجِبُهُ الْقَطْعُ لَوْ اقْتَصَرَ أَوْ الْقَتْلُ إذَا سَرَى، فَكَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ أَحَدِ مُوجِبَيْهِ أَيُّهُمَا كَانَ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصَرَ فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ قَطْعٍ عَفْوًا عَنْ نَوْعَيْهِ وَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجِنَايَةَ السَّارِيَةَ وَالْمُقْتَصِرَةَ. كَذَا هَذَا. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ وَالْعَفْوُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصَرِيحِهِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ، وَبِالسِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِعَ قَتْلٌ وَحَقُّهُ فِيهِ وَنَحْنُ نُوجِبُ ضَمَانَهُ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ، إلَّا أَنَّ

جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ) يَعْنِي مِثْلَ أَنْ كَانَتْ شَجَّةً فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةً لَا فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَلَا فِي حَقِّ حُكُومَةِ عَدْلٍ، وَإِنَّمَا تَبْقَى فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَة عَدْلٍ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي آخِرِ فَصْلِ الشِّجَاجِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الطَّبِيبِ (وَإِنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَجَرَحَتْهُ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ يَجِبُ لَهُ حُكُومَة عَدْلٍ) دُونَ الْأَرْشِ لِأَنَّ حُكُومَةَ عَدْلٍ إنَّمَا تَكُونُ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالْأَرْشُ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ بِأَنْ لَمْ يَبْرَأْ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجْرَحْ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ جَرَحَ وَانْدَمَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُؤْلِمًا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَدَلِيلُهَا يَأْتِي قَبْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ وَالْجِرَاحَةِ لَيْسَ بِعَفْوٍ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، فَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْهُ ثُمَّ سَرَى وَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ فِي مَالِهِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجَبِهِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ مُوجَبِهِ وَمُوجَبُهُ إمَّا الْقَطْعُ أَوْ الْقَتْلُ إذَا اقْتَصَرَ أَوْ سَرَى فَكَانَ الْعَفْوُ عَفْوًا عَنْهُمَا، وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ فَإِنَّ الْإِذْنَ بِالْقَطْعِ إذْنٌ بِهِ وَبِمَا حَدَثَ مِنْهُ. حَتَّى إذَا قَالَ شَخْصٌ آخَرُ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ لَمْ يَضْمَنْ وَالْعَفْوُ إذْنٌ انْتِهَاءً فَيُعْتَبَرُ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً، فَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَةَ وَالْمُقْتَصِرَةَ، فَكَذَا هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>