أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجِبُهُ الْمَالُ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. .
قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِي مَالِهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَالتَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. ثُمَّ الْقَطْعُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا،
حَقِّهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا بِقَوْلِهِ ﷺ «لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَتَرْكُهُمْ أَغْنِيَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْغِنَى وَهُوَ الْمَالُ، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لَتَصَرَّفَ فِيهِ فَيَتْرُكُهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ، لِأَنَّ الْإِرْثَ خِلَافَةُ ذِي نَسَبِ الْمَيِّتِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ أَوْ نِكَاحُهُ أَوْ وِلَايَةٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي مَالِهِ أَوْ حَقٌّ قَابِلٌ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْفَرَائِضِ وَهُوَ كَمَا تَرَى لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمَالِ، بَلْ إذَا كَانَ حَقًّا قَابِلًا لِلْخِلَافَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا، وَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهِ الْقِصَاصِ لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْصَى تَبَرُّعٌ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْهُ آنِفًا وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ خَاصٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِمُطْلَقِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ إذَا كَانَتْ فِي عَقْدٍ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ. وَقَوْلُهُ (فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ وَصِيَّةً وَالْقَاتِلُ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ بَاطِلَةٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي حِصَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجْرُوحَ لَمْ يَقُلْ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا عَفَا عَنْ الْمَالِ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مُبْتَدَأً وَلَا مَانِعَ عَنْهُ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ.
قَالَ (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ إلَخْ) إذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ أَوْ يَسْرِيَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيَصِيرُ الْأَرْشُ وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مَهْرًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ تَبَيَّنَ أَنَّ مُوجَبَهَا الْأَرْشُ دُونَ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَرْشُ يَصْلُحُ صَدَاقًا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ مَاتَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَهَا ذَلِكَ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute