لِقَوْلِهِ ﵊ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَعَنْ عُمَرَ ﵁: ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا. وَلَهُمَا قَوْلُهُ ﵊ «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ ﵃ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فَيُعَارَضُ بِهِ. قَالَ (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ
وَالْخَلِفَاتُ جَمْعُ خَلِفَةٍ: وَهِيَ الْحَوَامِلُ مِنْ النُّوقِ، فَقَوْلُهُ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَالضَّمِيرُ فِي كُلِّهَا لِلثَّنِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّا بِقَوْلِهِ ﷺ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادِهَا» (وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ) يَعْنِي مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ الْإِبِلَ فِيهِ تَجِبُ أَخْمَاسًا (وَذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُ أَغْلَظَ (فِيمَا قُلْنَا) لِأَنَّا نَقُولُ أَثْلَاثًا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ أَرْبَاعًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ ﷺ «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ») وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الثَّابِتَ مِنْهُ ﵊ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِفَةٍ مِنْ التَّغْلِيظِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، فَإِنَّ عُمَرَ وَزَيْدًا وَغَيْرَهُمَا قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَا، وَقَالَ عَلِيٌّ: تَجِبُ أَثْلَاثًا ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا أَرْبَاعًا، وَالرَّأْيُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّقَادِيرِ فَكَانَ كَالْمَرْفُوعِ وَيَصِيرُ مُعَارِضًا لِمَا رَوَيَاهُ، وَإِذَا تَعَارَضَا كَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) يَعْنِي لَا يُزَادُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى عَشَرَةِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: تُغَلَّظُ فِي النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ: أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ وَإِلَى قِيمَةِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، فَمَا زَادَ عَلَى أَسْنَانِ دِيَةِ الْخَطَأِ يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ، وَيُزَادُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ، لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ شُرِعَ فِي الْإِبِلِ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ مِنْهُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْخَطَأِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْحَجَرَيْنِ فَيَجِبُ التَّغْلِيظُ فِيهِمَا. وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ ثَبَتَ تَوْقِيفًا فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute