وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ عَلَى هَذَا الْجُمْهُورِ.
(وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي اللِّحْيَةِ. .
قَالَ (وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ) كَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﵊. قَالَ: (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ) وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ ﵊ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ، وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. .
قَالَ: (وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ) لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حَيْثُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ.
(وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ. .
قَالَ (وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهَا رُبْعُ الدِّيَةِ) قَالَ ﵁: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ مَجَازًا كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لِلْمُجَاوِرَةِ كَالرَّاوِيَةِ لِلْقِرْبَةِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَعِيرِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَجِنْسَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَنْفَعَةُ دَفْعِ الْأَذَى وَالْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ إذْ هُوَ يَنْدَفِعُ بِالْهُدْبِ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْكُلِّ كُلَّ الدِّيَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَانَ فِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَنْبَتَ الشَّعْرِ وَالْحُكْمُ فِيهِ هَكَذَا.
(وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَصَارَ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ. .
قَالَ (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرٌ فَتَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا. قَالَ (وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشِّمَالِ، وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِقَطْعِ كُلِّهَا مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، ثُمَّ فِيهِمَا عَشَرُ أَصَابِعَ فَتَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا أَعْشَارًا.
قَالَ (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ؛ فَفِي أَحَدِهَا
الدِّيَةِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ وَيَفُوتُ بِهِ الْجَمَالُ
وَقَوْلُهُ (وَيَسْتَوِي الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ) يَعْنِي كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ خَطَأً فَكَذَا إذَا حَلَقَهُمَا عَمْدًا. قِيلَ وَصُورَةُ حَلْقِهِمَا خَطَأً أَنْ يَظُنَّهُ مُبَاحَ الدَّمِ فَحَلَقَ الْوَلِيُّ لِحْيَتَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحِ الدَّمِ قِيلَ مُوجَبُ الْقِصَاصِ مَوْجُودٌ إذَا كَانَ عَمْدًا فَمَا الْمَانِعُ عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ وَالْعُقُوبَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنَّصِّ أَوْ دَلَالَتِهِ، وَلَا نَصَّ فِي الشُّعُورِ، وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْجُرُوحُ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي تَفْوِيتِهَا إلَى الْجِرَاحَةِ وَالضَّرْبِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا السِّرَايَةُ كَمَا تُتَوَهَّمُ فِي الْجِرَاحَاتِ، وَلَيْسَ فِيهِ إمَاتَةُ ذِي الرُّوحِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِالْمَنْصُوصِ دَلَالَةً كَمَا لَا يَجُوزُ قِيَاسًا
قَالَ (وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ) الْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ يَشْمَلُ هَذِهِ الْفُرُوعَ كُلَّهَا. وَالْأَشْفَارُ جَمْعُ شُفْرٍ بِالضَّمِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ مَجَازًا، وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِتَخْطِئَةِ مَنْ خَطَّأَ مُحَمَّدًا فِي إطْلَاقِ الْأَشْفَارِ عَلَى الْأَهْدَابِ، قَالُوا: الْأَشْفَارُ مَنَابِتُ الشَّعْرِ وَهِيَ حُرُوفُ الْعَيْنَيْنِ وَأَطْرَافُهَا، وَالشُّعُورُ الَّتِي عَلَيْهَا تُسَمَّى الْهُدْبَ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ فَيَكُونُ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْحَقِيقَةُ، فَإِنَّ فِي تَفْوِيتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحَلِّ وَالْحَالِّ