ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ) وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ. .
قَالَ: (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِقَوْلِهِ ﵊ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ﵁ «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ كُلَّهَا فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ، وَهَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ. .
قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَب مَنْفَعَتَهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْيَدِ إذَا شُلَّتْ وَالْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا) لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا فَوَاتُ الصُّورَةِ.
(وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ غَيْرِهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ) لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الْقَامَةِ (فَلَوْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ.
تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ) يَعْنِي أَنَّ عُشْرَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَ بِإِزَاءِ كُلِّ أُصْبُعٍ إنَّمَا هُوَ بِمُقَابَلَةِ مَفَاصِلِهَا، فَمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثُلُثُهُ، وَمَا فِيهِ مَفْصِلَانِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ.
وَقَوْلُهُ (وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) قَالُوا: فِيهِ نَظَرٌ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، أَوْ يُقَالَ: وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ السِّنَّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ: أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَتَانِ فَوْقُ وَاثْنَتَانِ أَسْفَلُ، وَمِثْلُهَا رَبَاعِيَاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا، وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرَّبَاعِيَاتِ، وَمِثْلُهَا ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ، وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقُ وَثَلَاثٌ أَسْفَلُ، وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ، فَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَهِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ جِنْسُ عُضْوٍ يَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّيَةِ سِوَى الْأَسْنَانِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ فَضَّلَ الطَّوَاحِنَ عَلَى الضَّوَاحِكِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ) يَعْنِي الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ كُلِّ الدِّيَةِ هُوَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا فَوَاتُ الصُّورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ: أَنَّ فَوَاتَ الصُّورَةِ لَيْسَ مُتَعَلَّقَ وُجُوبِ الدِّيَةِ، بَلْ الْجَمَالُ أَيْضًا مَقْصُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِاسْتِتْبَاعِهِ الْآخَرَ فَيَكُونُ الْحَصْرُ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمَالَ مَقْصُودٌ فِي عُضْوٍ لَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فَالْجَمَالُ تَابِعٌ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْيَدَ الشَّلَّاءَ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا الدِّيَةُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْيَدِ لَمَّا كَانَ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَتَكَامَلْ الْجِنَايَةُ مِنْ حَيْثُ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا جُعِلَ الْجَمَالُ تَابِعًا أَيْضًا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَابِعًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَلَأَنْ يَكُونَ تَابِعًا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِوُجُودِ الْمُسْتَتْبَعِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي مَنْفَعَةَ النَّسْلِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ) هُوَ اسْتِقَامَةُ الْقَامَةِ. قِيلَ وَفِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ أَيْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ وَهِيَ تَزُولُ بِالْحُدُوبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute