وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْكَامِلُ بِالشَّكِّ، وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حَجَّةً لِلْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجَمَالُ وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ (وَكَذَا لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّظَرِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمَ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ.
قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ، حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ، وَالدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ.
فَإِنَّ السِّنَّ جُزْءٌ مِنْ فَمِهِ وَالسِّنُّ الشَّاغِيَةُ هِيَ الَّتِي يُخَالِفُ نَبْتُهَا نَبْتَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْنَانِ: يُقَالُ رَجُلٌ أَشْغَى وَامْرَأَةٌ شَغْوَاءُ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَهِيَ نُقْصَانٌ مَعْنًى
وَقَوْلُهُ (وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِلْزَامِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّاهِرِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِغَيْرِ الْإِلْزَامِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَا يُعْلَمُ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ يَقِينًا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ وَيَجْزِيهِ رَضِيعٌ
قَالَ (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ) فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْجُزْءَ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ قَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ ذَهَابَ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِي مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ.
وَقَوْلُهُ (وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ) لِبَيَانِ الْجُزْئِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ نَبَتَ) يَعْنِي الشَّعْرَ (يَسْقُطُ) يَعْنِي أَرْشُ الْمُوضِحَةِ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَيْسَ بِمُفْتَقَرٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ تَعَلَّقَا) يَعْنِي أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةَ (بِسَبَبٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ لَكِنَّ سَبَبَ الدِّيَةِ الْكُلُّ فَدَخَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute