للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا مَقْصُودًا.

قَالَ: (وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا هُمَا وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ: يُقْتَصُّ مِنْ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْشُهَا. وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا شُجَّ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالسَّرَايَةِ مُبَاشَرَةً كَمَا فِي النَّفْسِ وَالْبَصَرُ يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ الْخِلَافِيَّةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ الشَّلَلَ لَا قِصَاصَ فِيهِ، فَصَارَ الْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ سِرَايَةَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إلَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ يُوجِبُ الِاقْتِصَاصَ كَمَا لَوْ آلَتْ إلَى النَّفْسِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَوَّلُ ظُلْمًا. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّجَّةَ بَقِيَتْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا وَلَا قَوَدَ فِي التَّسْبِيبِ، بِخِلَافِ السِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى الْأُولَى فَانْقَلَبَتْ الثَّانِيَةُ مُبَاشَرَةً. .

قَالَ: (وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَلَا قِصَاصَ) إلَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ (وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ فَتَآكَلَتَا فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَاتَيْنِ).

قَالَ: (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَدَمَتْ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَتْ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتِ عَلَيْهِ مَنْفَعَةً وَلَا زِينَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فِي مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ الْأَرْشُ بِكَمَالِهِ) لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ (وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ) لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.

(وَمَنْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لِصَاحِبِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ

رَجُلٍ عَمْدًا فَاضْطَرَبَ السِّكِّينُ وَوَقَعَ عَلَى أُصْبُعٍ أُخْرَى فَقَطَعَهَا يُقْتَصُّ لِلْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، فَمَا بَالُ مَسْأَلَتِنَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ؟ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَطْعَ الثَّانِي إنَّمَا لَمْ يُورِثْ الشُّبْهَةَ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَقْصُودٌ، وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالسِّرَايَةِ فَلَيْسَ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ. فَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا مَقْصُودًا) الضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى ذَهَابِ الْعَيْنِ بِالسِّرَايَةِ، وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَعَلَا مَقْصُودًا نَظَرًا، وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَقْصُودٌ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَثَرِهِ، فَإِنَّهُ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْفِعْلِ الثَّانِي فَاخْتَلَّ الْكَلَامُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فَرْقَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ: الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي إلَى الثَّانِي (وَقَالَا وَزُفَرُ) تَرْكِيبٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَوْ قَالَ: وَقَالَا هُمَا وَزُفَرُ كَانَ صَوَابًا. وَقَوْلُهُ (وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الشَّجَّةِ وَذَهَابِ الْبَصَرِ، فَرَّقَ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ ذَهَابِ الْبَصَرِ مِنْ الشَّجَّةِ وَبَيْنَ ذَهَابِ السَّمْعِ مِنْهَا فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِيهِمَا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ بِأَنْ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّ ذَهَابَهُ إنْ كَانَ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَكَذَلِكَ بِسِرَايَةِ الْمُوضِحَةِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْخِلَافِيَّةِ الْأَخِيرَةِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى. وَقَوْلُهُ (أَلَا يُرَى أَنَّ الشَّجَّةَ بَقِيَتْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا) حَتَّى وَجَبَ أَرْشُهَا مَعَ دِيَةِ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْأَرْشُ فِي الْعَيْنَيْنِ عِنْدَهُمَا.

وَقَوْلُهُ (فَتَآكَلَتَا) أَيْ صَارَتَا وَاحِدَةً بِالْأَكْلِ (فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ (عَنْ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي لَا قِصَاصَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِيهِمَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ

(وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ بَالِغٍ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ يُقَوَّمُ وَلَيْسَ بِهِ هَذَا الْأَلَمُ وَيُقَوَّمُ وَبِهِ هَذَا الْأَلَمُ، فَيَجِبُ مَا انْتَقَصَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْأَلَمِ مِنْ الْقِيمَةِ.

وَقَوْلُهُ (فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ) يَعْنِي بِغَيْرِ اعْوِجَاجٍ، وَإِنْ نَبَتَ مُعْوَجًّا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>