وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطَنٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْعَقْلِ، وَالْبَصَرُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِيهِمَا (وَقَالَا: فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ) قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ. .
قَالَ (وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْيَدِ كُلِّهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ (وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ) وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي السِّنِّ كُلِّهِ (وَلَوْ قَالَ: اقْطَعْ الْمِفْصَلَ وَاتْرُكْ مَا يَبِسَ أَوْ اكْسِرْ الْقِدْرَ الْمَكْسُورَ وَاتْرُكْ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ: أَشُجُّهُ مُوضِحَةً أَتْرُكُ الزِّيَادَةَ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ فَالشُّبْهَةُ فِي إحْدَاهُمَا لَا تَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى، كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ عَمْدًا فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ فِي الثَّانِي. وَلَهُ أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْأُولَى سَارِيَةٌ وَالْجَزَاءُ بِالْمِثْلِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ السَّارِي فَيَجِبُ الْمَالُ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَهُوَ الْحَرَكَةُ الْقَائِمَةُ، وَكَذَا الْمَحَلُّ مُتَّحِدٌ مِنْ وَجْهِ لِاتِّصَالٍ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فَأَوْرَثَتْ نِهَايَتُهُ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي الْبِدَايَةِ، بِخِلَافِ النَّفْسَيْنِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مِنْ سِرَايَةِ صَاحِبِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى الْأُصْبُعِ
وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الثَّانِي) يَعْنِي قَوْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطَنٌ، قِيلَ يُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ بِحَيْثُ لَا تَتَرَسَّمُ فِيهَا الْمَعَانِي وَلَا يَقْدِرُ عَلَى نَظْمِ التَّكَلُّمِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَهَابِ الْعَقْلِ عَسِرًا جِدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكَلُّمَ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فَفِي جَعْلِهِ مُبْطَنًا نَظَرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ: أَيْ قَالَ الْمَشَايِخُ (يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَيْنَيْنِ (وَالْأَرْشُ فِي الْمُوضِحَةِ) وَقَالَا: فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ)
وَقَوْلُهُ (لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) أَيْ فِيمَا إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، قَالَا: يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْأُولَى سَارِيَةٌ) وَالْجِرَاحَةُ الَّتِي تَعْمَلُ قِصَاصًا قَدْ لَا تَكُونُ سَارِيَةً إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فِعْلُ ذَلِكَ فَلَا يَكُون مِثْلًا لِلْأُولَى، وَلَا قِصَاصَ بِدُونِ الْمُمَاثَلَةِ (وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَرَكَةُ الْقَائِمَةُ) أَيْ الثَّابِتَةُ حَالَ الشَّجِّ (وَكَذَا الْمَحَلُّ) أَيْ مَحَلُّ الْجِنَايَتَيْنِ (وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ لِاتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ) وَنِهَايَةُ الْجِنَايَةِ لَمْ تُوجِبْ الْقِصَاصَ بِالِاتِّفَاقِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي الْبِدَايَةِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِهِمَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ النَّفْسَيْنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ عَمْدًا فَأَصَابَهُ وَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا جَعَلْنَا الْفِعْلَ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الثَّانِيَ حَصَلَ مِنْ سِرَايَةِ الْأَوَّلِ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَعَاقُبِ الْآلَامِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى الْأُصْبُعِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute