(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بَعْدَ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلضَّارِبِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ أَثَرَ فِعْلِهِ وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي وَقَّتَهُ الْقَاضِي لِظُهُورِ الْأَثَرِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ الْأَلَمِ، وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ وَلَكِنَّهَا اسْوَدَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا تَسْوَدُّ مِنْهُ (وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي) لَا قِصَاصَ لِمَا ذَكَرْنَا (وَكَذَا لَوْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ) وَلَوْ اصْفَرَّ فِيهِ رِوَايَتَانِ. .
قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَنَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِزَوَالِ الشَّيْنِ الْمُوجِبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ الشَّيْنَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ مَا زَالَ فَيَجِبُ تَقْوِيمُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ الطَّبِيبُ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا. .
التَّأْجِيلُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي سُقُوطِ السِّنِّ بَعْدَ السَّنَةِ. وَقَوْلُهُ (وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ) أَيْ وَجْهَ قَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ وَوَجْهَ حُكُومَةِ الْأَلَمِ.
وَقَوْلُهُ (يَجِبُ الْأَرْشُ كَامِلًا) وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يَسْوَدُّ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ السِّنُّ مِنْ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى أَوْ مِنْ الْأَسْنَانِ الَّتِي تُرَى. وَقَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَضْرَاسِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ كَمَالِ الْأَرْشِ فَقْدُ مَنْفَعَةِ الْمَضْغِ بِالِاسْوِدَادِ دُونَ الْجَمَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُرَى فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاصْفِرَارَ وَهُوَ كَالِاسْوِدَادِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَجِبُ كَمَالُ الْأَرْشِ وَعِنْدَ آخَرِينَ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ جِنْسَ مَنْفَعَةِ السِّنِّ وَلَا فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ قَدْ تَكُونُ لَوْنَ الْأَسْنَانِ فِي بَعْضِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ نَقْصٍ فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ، بِخِلَافِ الْحُمْرَةِ وَالْخُضْرَةِ وَالسَّوَادِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ لَوْنَ الْأَسْنَانِ بِحَالٍ فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ إذَا كَانَتْ بَادِيَةً.
قَالَ (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَتَعْلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ الْمَوْعُودُ قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ الْمَنَافِعَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ مَا زَالَ، وَعَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا لَزِمَهُ أَجْرُ الطَّبِيبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَحَمُّلَ الْأَلَمِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَمُعَالَجَةُ الطَّبِيبِ كَذَلِكَ، وَالْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِعَقْدٍ كَالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ بِشُبْهَتِهِ كَالْإِجَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute