يَنْزِعَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَاحِبُ حَقٍّ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ، كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقُّ النَّقْضِ لَوْ أَحْدَثَ غَيْرُهُمْ فِيهِ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ. قَالَ: (وَيَسَعُ لِلَّذِي عَمِلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَلْيُلْحَقْ مَا فِي مَعْنَاهُ بِهِ، إذْ الْمَانِعُ مُتَعَنَّتٌ، فَإِذَا أَضَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ أَنْ يَشْرَعَ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَفِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا إذَا أَضَرَّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ، فَجُعِلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ حُكْمًا كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ طَرِيقُ الِانْتِفَاعِ، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. .
قَالَ: (وَإِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ نَحْوَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَلَفِهِ
الْبُرْجُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيُبْنَى عَلَيْهِ. وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ: النَّاحِيَةُ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَبْعَدُ النَّاسِ مَنْزِلَةً: أَيْ أَضْعَفُهُمْ وَأَرْذَلُهُمْ. وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: فِي إبَاحَةِ الْعَمَلِ وَفِي الْخُصُومَةِ وَفِي ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهِ. وَالْمَبْدُوءُ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْخُصُومَةُ، وَتَعَرَّضَ لِلنَّزْعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنْعِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا أَرَادَ الْوَضْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ فِيهِ الِافْتِيَاتَ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِيمَا إلَيْهِ تَدْبِيرُهُ، فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ. وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِي الرَّفْعِ فَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَيْسَ لِأَحَدٍ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْمَأْذُونِ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا يَرْفَعُهُ أَحَدٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: كَانَ قَبْلَ الْوَضْعِ لِكُلِّ أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ، فَاَلَّذِي يُحْدِثُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي يَدِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، فَأَمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَقَدْ صَارَ فِي يَدِهِ، فَاَلَّذِي يُخَاصِمُهُ يُرِيدُ إبْطَالَ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ، وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (وَيَسَعُ لِلَّذِي عَمِلَهُ) بَيَانُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ ﷺ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» أَيْ لَا ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً: يَعْنِي مُتَعَدِّيًا عَنْ مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي الِاقْتِصَاصِ، لِأَنَّ الضِّرَارَ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مِنْ ضَرَّك، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّرْبُ نَافِذًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ فَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ بَيَانٌ لِذَلِكَ. وَالدَّرْبُ: الْبَابُ الْوَاسِعُ عَلَى السِّكَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السِّكَّةُ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ) يَعْنِي فِي الْغَالِبِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْمُرَادُ بِغَيْرِ النَّافِذَةِ الْمَمْلُوكَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمِلْكِ فَقَدْ تَنْفُذُ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَقَدْ يُسَدُّ مَنْفَذُهَا وَهِيَ لِلْعَامَّةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَلَازِقَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا) وَهُوَ الْمَمَرُّ عَلَى الْعُلْوِ بَيَانٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute