للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَعَدٍّ بِشَغْلِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَكَذَا إذَا تَعَثَّرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ أَوْ عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ، وَإِنْ عَثَرَ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِيهِمَا) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالدَّافِعِ إيَّاهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ بِطَرَفَانِ أَصَابَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَائِطِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِمَا أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَائِطِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ) لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً (وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُدِرَ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَهُ سَبُعٌ وَإِنْسَانٌ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ) اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ (وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ

وَقَوْلُهُ (مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ) يَعْنِي الْكَنِيفَ وَالْمِيزَابَ وَالْجُرْصُنَ. وَقَوْلُهُ (فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِيهِمَا) يَعْنِي ضَمَانُهُمَا عَلَى الْمُحْدِثِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَثَرَ بِهِ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمَدْفُوعُ كَالْآلَةِ (وَقَوْلُهُ وَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الدَّاخِلُ أَوْ الْخَارِجُ، أَوْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّ الطَّرَفَيْنِ أَصَابَهُ، وَالْجُمْلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ بِوُجُوهِهَا، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً) يَعْنِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَحِرْمَانَ الْإِرْثِ إنَّمَا يَجِبَانِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً، وَهَذَا لَيْسَ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً وَإِلَّا لَسَاوَى الْمِلْكُ غَيْرَهُ كَمَا فِي الرَّمْيِ. قِيلَ إنْ كَانَ قَتْلًا حَقِيقَةً فَالْقِيَاسُ شُمُولُ الْوُجُوبِ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْحِرْمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقِيَاسُ عَدَمُهُ فِيهَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّمَانَ يَعْتَمِدُ الْإِتْلَافَ بِطَرِيقِ صِيَانَةِ التَّعَدِّي لِلدِّمَاءِ عَنْ الْهَدَرِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ مَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالْحِرْمَانُ فَيَعْتَمِدَانِ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ) يَعْنِي يُعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّهُ قَتِيلُ الْجِرَاحَةِ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بِأَيِّ الطَّرَفَيْنِ كَانَ، فَإِنْ كَانَ لِلطَّرَفِ الدَّاخِلِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ بِالْخَارِجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِالطَّرَفَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا) ظَاهِرٌ وَقِيلَ الْمُشْتَرِي مُتَعَدٍّ أَيْضًا بِتَرْكِ الرَّفْعِ مَعَ إمْكَانِهِ شَرْعًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِ الْقَتْلِ إمَّا الْمُبَاشَرَةُ أَوْ التَّسْبِيبُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَفْعِ حَجَرٍ عَنْ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى عَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ وَلَا مُتَسَبِّبٍ. وَاسْتَشْكَلَ أَيْضًا بِالْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا تَقَدَّمَ إنْسَانٌ إلَى صَاحِبِهِ بِالنَّقْضِ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى بَاعَ الدَّارَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَصَابَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ جَانِيًا يُتْرَكُ النَّقْضُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ صَيْرُورَةَ صَاحِبِ الْحَائِطِ ضَامِنًا بِالتَّقَدُّمِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>