(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا)
قَالَ (الرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ، وَكَذَا
ذَكَرَ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةَ عَلَيْهَا عَقِيبَ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَقَوْلُهُ (لَمَّا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ) الصَّحِيحُ: لَمَّا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ. وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَا الْإِيطَاءِ مَحْذُوفَيْنِ، وَتَقْدِيرُهُ: أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا إنْسَانًا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ فُلَانٌ يُعْطِي. وَقَوْلُهُ (مَا أَصَابَتْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ، وَالْكَدْمُ: الْعَضُّ بِمُقْدِمِ الْأَسْنَانِ. وَالْخَبْطُ: الضَّرْبُ بِالْيَدِ. وَالصَّدْمُ: هُوَ أَنْ تَضْرِبَ الشَّيْءَ بِجَسَدِك، وَمِنْهُ اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ إذَا ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ وَيُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ الشَّيْءَ إذَا ضَرَبَتْهُ بِحَدِّ حَافِرِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الدَّابَّةِ لَا تَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا، أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا مِلْكًا كَامِلًا أَوْ مُشْتَرَكًا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مَعَهَا أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا وَاقِفَةً كَانَتْ الدَّابَّةُ أَوْ سَائِرَةً وَطِئَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ نَفَحَتْ أَوْ كَدَمَتْ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَائِقًا لَهَا أَوْ قَائِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا عَلَيْهَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسًا أَوْ مَالًا، لِأَنَّ صَاحِبَهَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ مُتَسَبِّبٌ لِاتِّصَالِ أَثَرِ فِعْلِهِ بِالْمُتْلَفِ بِوَاسِطَةِ فِعْلِ مُخْتَارٍ وَهُوَ الدَّابَّةُ، وَالْمُتَسَبِّبُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَلَا تَعَدِّيَ فِي إيقَافِ الدَّابَّةِ أَوْ تَسْيِيرِهَا فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ يَسِيرُ فَإِنْ وَطِئَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا ضَمِنَ، وَإِنْ كَدَمَتْ أَوْ نَفَحَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ لِأَنَّ ثِقَلَهُ وَثِقَلَ الدَّابَّةِ اتَّصَلَا بِالْمُتْلَفِ فَكَأَنَّهُمَا وَطِئَا جَمِيعًا، الْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ مُتَعَدِّيًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَفِي الثَّانِي مُتَسَبِّبٌ غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي مِلْكِ غَيْرِ صَاحِبِهَا، فَإِمَّا أَنْ أَدْخَلَهَا صَاحِبُهَا فِيهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَسَبِّبٍ وَلَا مُبَاشِرٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ لَا وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً، لِأَنَّ صَاحِبَهَا إمَّا مُبَاشِرٌ أَوْ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ إيقَافُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَوْقَفَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ بِالْإِيقَافِ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute