إذَا صَدَمَتْ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يُتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِمَا ذَكَرْنَا لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ إنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفِ وَسَدِّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَمَا يُضَاهِيهِ مُمْكِنٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ التَّيْسِيرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ، وَالنَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ لَيْسَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ (فَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ.
قَالَ (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ حَجَرًا كَبِيرًا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إذْ سَيْرُ الدَّوَابِّ لَا يَعْرَى عَنْهُ، وَفِي الثَّانِي مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ السَّيْرِ عَادَةً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِتَعْنِيفِ الرَّاكِبِ، وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالرَّاكِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى
شَغْلُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيقَافِ الدَّابَّةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَمَّا إنْ سَارَتْ بِإِرْسَالِهِ أَوْ انْفَلَتَتْ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْ مَا لَمْ تَتَحَوَّلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِأَنَّ إرْسَالَهَا بِلَا حَافِظٍ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ وَهُوَ فِيهِ مُتَعَدٍّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْ رَاكِبًا كَانَ أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا إلَّا النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ أَوْ الذَّنَبِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ أَوْ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْإِسْهَابِ بَيَانُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ﵀: الرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ، إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَا إذَا صَدَمَتْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاكِبُ فِي مِلْكِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنْ اسْتَقَامَ فِي قَوْلِهِ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي قَوْلِهِ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ أَوْ صَدَمَتْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا، وَذَكَرَ الْأَصْلَ الَّذِي يَنُبْنِي عَلَيْهِ هَذِهِ الْفُرُوعُ فَقَالَ (وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ) أَمَّا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ يَمْشِي فِيهِ لِتَرْتِيبِ مُهِمَّاتِهِ، فَالْحَجْرُ عَنْ ذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. وَأَمَّا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلِأَنَّ غَيْرَهُ فِيهِ كَهُوَ فِي الِاحْتِيَاجِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّهِ يَسْتَدْعِي الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا، وَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ غَيْرِهِ يَسْتَدْعِي الْحَجْرَ مُطْلَقًا، فَقُلْنَا بِإِبَاحَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَاضِحَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي فِي مُوجَبِ الْجِنَايَةِ (كَالرَّاكِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute