للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لِمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ بِصَدْمَتِهِ آلَمَ نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ، كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا، أَوْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ جِرَاحَةً أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَارَ عَلَيْهِمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ الْمَوْتَ يُضَافُ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِلْإِضَافَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، كَالْمَاشِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ وَوَقَعَ فِيهَا لَا يُهْدَرُ شَيْءٌ مِنْ دَمِهِ، وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، لَكِنَّ الْفِعْلَ الْمُبَاحَ فِي غَيْرِهِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الدِّيَةِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ

عَنْ الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ مُبَاشَرَةٌ، وَتَذَكَّرْ تَخْصِيصَ الْعِلَلِ وَمُخَلِّصَهُ فَإِنَّهُ مِنْ مَظَانِّهِ

. وَقَالَ (إذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ إلَخْ) أَيْ ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْمَاشِيَيْنِ حُكْمُ الْفَارِسَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَوْتُ الْمُصْطَدِمَيْنِ غَالِبًا فِي الْفَارِسَيْنِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ، وَمَا ذَكَرَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ، وَمَا قُلْنَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا قَوْلَنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ: يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ إلَخْ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَصْمَ أَيْضًا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَتَعَارَضَتْ جِهَتَا التَّرْجِيحِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا ذُكِرَ ثَمَّ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ يَصْلُحُ حُجَّةً، وَمَا صَلَحَ حُجَّةً لَمْ يَصْلُحْ مُرَجِّحًا.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَنْقُوضٌ بِالْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ بِمَشْيِهِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. وَقَوْلُهُ (وَفِيمَا ذُكِرَ) جَوَابٌ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي جِهَتِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>