الْفِعْلَانِ مَحْظُورَانِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يَهْدُرُ الدَّمُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى فَهُدِرَ ضَرُورَةً، وَكَذَا فِي الْعَمْدِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بَعْدَمَا جَنَى وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَفِي الْخَطَإِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ فِي الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ فَقَدْ أَخْلَفَ بَدَلًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ النِّصْفُ فِي الْعَمْدِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَأْخُذُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَمَا عَلَى الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ.
قَالَ (وَمَنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ، لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامِ فِيهِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُشَدُّ فِي الْعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ دُونَ اللِّبَاسِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَيُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
قَالَ (وَمَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَ)، فَإِنْ وَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ بِهِ الْقَائِدُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَقَدْ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ، وَالتَّسَبُّبِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ، إلَّا أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيهِ وَضَمَانُ الْمَالِ فِي مَالِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا)
الْفِعْلَ لَمَّا كَانَ مَحْظُورًا كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَسَقَطَ إيجَابُهُ الضَّمَانَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْمَشْيُ مُبَاحٌ مَحْضٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجَبًا لِلضَّمَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَصْلًا فَكَانَ صَاحِبُهُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ أَحَدٍ لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَمَامُ دِيَةِ الْآخَرِ، كَمَنْ مَشَى حَتَّى سَقَطَ فِي الْبِئْرِ ضَمِنَ الْحَافِرُ وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ بِالْحَفْرِ وَالْمَشْيِ جَمِيعًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَشْيُ مُبَاحًا لَمْ يُعْتَبَرْ. وَقَوْلُهُ (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) أَيْ وُجُوبُ تَنْصِيفِ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعَمْدَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْخَصْمِ. وَقَوْلُهُ (فَيَأْخُذُهَا) أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ، قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ عَنْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَوَّلًا تَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ لَا مَحَالَةَ وَالْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ وَالْعَاقِلَةُ يَتَحَمَّلُونَ هَاهُنَا مُوجَبَ جِنَايَتِهِ، فَلَمَّا مَلَكَ الْمَيِّتُ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ سَقَطَ عَنْهُمْ، كَمَا قُلْنَا فِي امْرَأَةٍ قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَصِيرُ مَهْرًا وَتَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ السُّقُوطَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاجِعُ هُوَ الْجَانِي وَهَاهُنَا الرَّاجِعُ وَارِثُهُ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَوَّلًا هُوَ الْجَانِي يَسْقُطُ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الرَّاجِعَ غَيْرُهُ لَا يَسْقُطُ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) يَعْنِي السَّرْجَ وَسَائِرَ الْأَدَوَاتِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ إذَا وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ اللِّبَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَادَ قِطَارًا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute