للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ زَعَمَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ وَلِيًّا لِذَلِكَ الرَّجُلِ الزَّاعِمِ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَبْرَأَ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ.

قَالَ (وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَقَالَ لِرَجُلٍ قَتَلْتُ أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لَمَّا أَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُرِفَ رِقُّهُ، وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا مَجْنُونٌ وَقَدْ كَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ اسْتِحْسَانًا،

وَهُوَ الدَّيْنُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعَيْنِ ضَمَانًا، وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، لَا يُقَالُ: هَذَا الْمَانِعُ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَهَلَّا اُعْتُبِرَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ هُنَاكَ لَاقَى مَحَلًّا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ، بِخِلَافِ صُورَةِ النَّقْضِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ. قُلْت: مُخَلِّصُهُ مَعْلُومٌ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مُتَّصِلٍ فَاتَ بِالْجِنَايَةِ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَدْ اسْتَحَقَّهَا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا فَمَا فَاتَ مِنْ الْأَجْزَاءِ بِعِوَضٍ قَامَ الْعِوَضُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ قُتِلَتْ وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا كَانَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَلَا بَدَلًا عَنْ جُزْءٍ.

وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ) صُورَتُهُ الْمَذْكُورَةُ ظَاهِرَةٌ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَهَا، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِبْرَاءُ الْعَبْدِ) يَعْنِي مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ لَا مِنْ قِسْطِهِ فِيهَا، وَإِبْرَاءُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ إعْتَاقًا حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى أَخْذِ الْعَبْدِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا بِحُجَّةٍ.

وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ) يَعْنِي إذَا أُعْتِقَ عَبْدٌ مَعْرُوفٌ بِالرِّقِّ (فَقَالَ لِرَجُلٍ قَتَلْت أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، إذْ الْكَلَامُ فِي عَبْدٍ مَعْرُوفِ الرِّقِّ وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فِي إقْرَارِهِ وَالْمَقَرُّ لَهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ التَّارِيخِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّارِيخِ لِلتَّرْجِيحِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْإِقْرَارِ، وَهَاهُنَا هُوَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِهِ فَصَارَ كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَوْ خُلِقَ. وَقَوْلُهُ (كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ

قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مَبْنَاهَا عَلَى إسْنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) أَنْ يَقُولَ لَهَا جَامَعْتُك وَأَنْتِ أَمَتِي أَوْ أَخَذْت مِنْك غَلَّةَ عَمَلِك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا: يَعْنِي لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ وَالْمَأْخُوذُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَاخْتَلَفَا فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ الرَّدَّ فِيهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، بَنَاهَا مُحَمَّدٌ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.

وَأَجَابَ عَنْ تَخَلُّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>