وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ. وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ فَقَأْت عَيْنَكَ الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ، وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ
الشَّيْءِ الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِيَدِهِ: أَيْ بِيَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ عَلَيْهَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَحَصَلَ فِيهِمَا الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ فَقَأْت عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ) يُرِيدُ بِذَلِكَ بَرَاءَتَهُ عَنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ قِصَاصًا وَأَرْشًا (وَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ بَلْ فَقَأْتهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ) يُرِيدُ بِهِ وُجُوبَ نِصْفِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِنْسَ الْعُضْوِ الْمُتْلَفِ إنْ كَانَ صَحِيحًا حَالَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ تَلِفَ سَقَطَ الْقِصَاصُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا ﵏ أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ، وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ فَقَبْلَ الْعُدُولِ إذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بَطَلَ الْحَقُّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ. كَمَا إذَا قَطَعَ يَمِينَ شَخْصٍ ثُمَّ شُلَّتْ يَمِينُهُ. وَفَقْءُ الْعَيْنِ بِالتَّعْوِيرِ لَا قِصَاصَ فِيهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَقْءٌ ذَهَبَ بِهِ نُورُهَا وَلَمْ تَنْخَسِفْ وَالْقِصَاصُ فِيهِ جَارٍ.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ) لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ: لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ بَيَانًا لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى صُورَتُهَا: مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذْت مِنْك مَالًا وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْت مِنِّي وَأَنَا مُسْلِمٌ فَإِنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ، كَذَا قِيلَ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَوَجْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute